عنوان المحاضرة: جريمة عدم التبليغ عن تعارض المصالح
تعرض المشرع الجزائري في هذه الجريمة في إطار المادة 34 من القانون 06-01 التي تقتضي بما يلي:" يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنتين (2) وبغرامة من 50.000دج إلى 200.000دج كل موظف عمومي خالف أحكام المادة 9 من هذا القانون". غير أننا لاحظنا خطأ ورد في نص المادة 34 أعلاه؛ إذ أن المادة 9 تتعلق بإبرام الصفقات العمومية، ولا علاقة لها إطلاقا بتعارض المصالح، وإنما كان المشرع يقصد المادة 8 والتي تشير إلى هذه المسألة، حيث جاء فيها ما يلي:" يلتزم الموظف العمومي بأن يخبر السلطة الرئاسية التي يخضع لها إذا تعارضت مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة، أو يكون من شأن ذلك التأثير على ممارسته لمهامه بشكل عادل".
وقد تعرض لهذا الالتزام المشرع الجزائري كذلك بصورة ضمنية في المادة 45 من القانون الأساسي العام للوظيفة العامة، حيث جاء في المادة 45 منها بأنه:" يمنع كل موظف، مهما كانت وضعيته في السلم الإداري، أن يتملك داخل التراب الوطني أو خارجه، مباشرة أو بواسطة شخص آخر، بأي صفة من الصفات، مصالح من طبيعتها أن تأثر على استقلالية أو تشكل عائق للقيام بمهمته بصفة عادية في مؤسسة تخضع إلى رقابة الإدارة التي ينتمي إليها أو لها صلة مع هذه الإدارة، وذلك تحت طائلة تعرضه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في هذا القانون الأساسي".
أولا: تعريف تعارض المصالح
ينشأ مفهوم تعارض المصالح من زاوية أن الموظف العمومي هو من البشر، له أهداف وتطلعات مادية ومعنوية، كما أن له علاقات أسرية، واجتماعية مع أشخاص آخرين، فيقوم بتقديم خدمات ومنافع لهم مما قد يضعه في موضع تهمة من قبل الآخرين على اعتبار أن القرارات التي اتخذها لا تكون في مصلحة المرفق الذي يشتغل لصالحه بسبب انسياقه الأعمى لرغبات الزبائن.
نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يشرح معنى تعارض المصالح، على خلاف مشرعين آخرين مثل المشرع المصري في القانون رقم 106 لسنة 2013 المتعلق بحظر تعارض المسئولين في الدولة على أنه:" كل حالة يكون للمسئول الحكومي أو الشخص المرتبط به مصلحة مادية أو معنوية تتعارض تعارض مطلقا أو نسبيا مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفاظ على المال العام أو تكون سببا لكسب غير مشروع لنفسه أو للشخص المرتبط"، أما على الصعيد الفقهي فيعرفه سيموراند بأنه:" الصراع بين المصالح الشخصية للفرد والمصالح الأخرى التي يجب أن يدافع عليها أثناء قيامه بعمليات محددة".
ثانيا: حالات التعارض في المصالح
تعرض المشرع الجزائري لبعض حالات التعارض في مختلف القوانين التي سنها، وذلك في مجالات مختلفة، وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى ما تطرق إليه في الأمر رقم 07-01 المتعلق بحالات التنافي والالتزامات الخاصة ببعض المناصب والوظائف، والذي يشير فيه مثلا إلى أن تكون لشاغل المناصب خلال فترة نشاطه سواء بنفسه أو بواسطة أشخاص آخرين، داخل البلاد أو خارجها مصالح لدى المؤسسات والهيئات التي يتولى مراقبتها والإشراف عليها أو التي أبرم صفقة معها، أو أصدر رأيا بغية عقد صفقة معها، كما تتجسد كذلك في ممارسة شاغل المنصب عند نهاية مهامه، ولأي سبب كان نشاطا استشاريا أو مهنيا أيا كان طبيعته، أو حتى أن تكون لشاغل المنصب بعد نهاية مهامه مصالح مباشرة أو غير مباشرة لدى المؤسسات أو الهيئات التي سبق لهم أن تولوا مراقبتها أو الإشراف عليها أو أبرموا صفقة معها، أو لدى أي مؤسسة أو هيئة أخرى تعمل في نفس مجال النشاط.
ثالثا: أركان جريمة عدم التبليغ عن تعارض المصالح
أ-الركن المفترض:
من خلال استقراء نص المادتين 8 و34 من قانون 06-01 يستشف أنه يشترط لقيام جريمة عدم الإبلاغ عن تعارض المصالح توافر صفة معينة في الجاني، وهي أن يكون موظفا عاما لكونها من الجرائم ذات الصفة. وكان من الأنسب صياغة النص على عموميته من أجل أن يشمل القطاع العام والخاص على حد سواء، والسبب في ذلك يرجع إلى أنه إلى جانب الفساد الناتج عن تعارض المصالح العامة والشخصية في سلطات الدولة والقطاع العام، يندرج غياب الحوكمة لدى الشركات الخاصة- وعلى سبيل التحديد الشركات المتعاقدة مع الدولة في تنفيذ المشاريع والتجهيز- في خلق بيئة فساد يطغى فيها المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
ب-الركن المادي:
ويتجسد في وجود الموظف العمومي في حالة تعارض المصالح كأن يكون للموظف العمومي أنشطة أخرى أو عمل وظيفي آخر أو استثمارات أو مشاريع أو موجودات أو هبات تلتقي مع النشاط الذي يزاوله. ويشترط أن يكون من شأن تعارض مصالح الموظف التأثير على ممارسة مهامه، فلتقاء المصالح وتطابقها غير كاف لوحده لقيام الجريمة، وتبقى مسألة تقدير تأثير هذا التطابق في المصالح على سير مهام الموظف مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع، بالإضافة إلى ذلك يشترط المشرع الجزائري عدم إخبار الموظف للسلطة الرئاسية بهذا التعرض في المصالح، وحتى إن لم يشر إلى طريقة الإبلاغ فالأصل أن يتم ذلك كتابة من أجل الإثبات، غير أنه يجوز أن يتم ذلك الإخبار شفهيا في المرحلة الأولى ثم تثبيته كتابة.
ج-الركن المعنوي:
جريمة عدم التبليغ عن تعارض المصالح هي جريمة عمدية لذا فيشترط فيها توافر القصد الجنائي العام بعنصريه المتمثلين في العلم بأركان الجريمة والإرادة التي يشترط أن تكون حرة ومختارة واتجهت هذه الإرادة إلى ارتكاب السلوك المادي المتمثل في مخالفة واجب الإبلاغ بتعارض المصالح.
رابعا: العقوبة المقررة لجريمة عدم التبليغ عن تعارض المصالح
حدد المشرع عقوبة هذه الجريمة بالحبس من ستة أشهر وغرامة مالية من 50.000دج إلى 200.000دج.
يأخذ بعين الاعتبار كذلك العقوبات المفروضة على الشخص المعنوي، والعقوبات التكميلية كما أشرنا إليها آنفا.- Enseignant: ZAADI MOHAMED DJELLOUL