عنوان المحاضرة: جريمة الغدر
خصص المشرع الجزائري، في إطار مكافحته لجرائم الفساد في بعدها العام، شطرا كامل لجريمة الغدر، ونص في المادة 30 من القانون 06-01 على أنه:" يعد مرتكبا لجريمة الغدر ويعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000دج ، كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الآداء، أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأطراف الذين يقوم بالتحصين لحسابهم".
أولا: تعريف جريمة الغدر
يطلق على هذه الجريمة تسمية جريمة الغدر، أو جريمة طلب الموظف أو أخذه ما هو ليس مستحقا له، التي تختلف عن جريمة الرشوة، حيث يكون سند الموظف في تحصين المال أنه من قبيل الرسوم أو الضرائب أو الغرامات، لكن السند في جريمة الرشوة هو الاتجار بالوظيفة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجريمة كان منصوص عليها في قانون العقوبات السابق في المادتين 121 و122، فورد في المادة 121 مثلا بأن القاضي أو الموظف أو الضابط العمومي الذي يطلب أو يتلقى أو يطالب أو يأمر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق الآداء، سواء لجهة الإدارة أو لجهة الأطراف الذين يقوم بالتحصيل لحسابهم أو لنفسه، يكون قد ارتكب جريمة الغدر، ويعاقب عليها بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج، أما المادة 122 فبين بأن الموظف العمومي يشمل كل صاحب سلطة عمومية يأمر بتحصيل ضرائب مباشر أو غير مباشر، غير تلك التي حددها القانون، وكذلك كل موظف يقوم بتحصيلها.
ثانيا: التمييز بين جريمة الغدر والجرائم المشابهة
1-تمييز جريمة الغدر عن جريمة الرشوة:
تختلف جريمة الغدر عن جريمة الرشوة من حيث كون سنة الموظف في تحصيل المال أنه من قبيل الرسوم، أو الضرائب، أو الغرامات، لكن السند في جريمة الرشوة هو الهبة للاتجار بالوظيفة، فمعيار التفرقة بين الجريمتين هو سند الذي يحتج به الموظف العمومي، في طلب المال من الفرد أو أخذه، فإذا تذرع بالقانون مدعيا أنه يلزم به فلجريمة غدر، أما إذا طلبه على أنه عطية أو مزية نظيرة قيامه بعمل في وظيفته فلجريمة رشوة، حيث على سبيل المثال إذا طلب موثق من تعاقدين نقود، زعم أنها رسم لتوثيق العقد فجريمته غدر، أما إذا طلب هذه النقود على أنها مقابل لقيامه بتوثيق العقد فجريمته رشوة. كما تظهر التفرقة بين الجريمتين في التجريم والعقوبة، ففي جريمة الرشوة يعتبر مقدم المال راشيا ويعاقب على هذه الصفة، بينما في جريمة الغدر مقدم المال هو المجني عليه فلا يعاقب عليه، بالإضافة إلى أن المطلوب العطية أو المزية في جريمة الرشوة حر في تسليمها أو عدم تسليمها للطالب، في حين أن المطلوب في المبلغ المالي في جريمة الغدر، يكون في مركز المجبر الدفع على أساس أن المال المطلوب واجب الآداء قانونا باعتباره حقا أو ضريبة أو رسم مستحق للدولة.
ثالثا: أركان جريمة الغدر
تقوم جريمة الغدر، وبالإضافة إلى الركن الشرعي على أركان ثلاث هي:
1-الركن المفترض (صفة الجاني):
يفترض في هذه الجريمة أن مرتكبها موظف عام أو من في حكمه كما سبقت الإشارة إليه، طالما أن له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو الغرامات المحصلة لحساب الدولة، حيث أن البعض يستعمل تعبير أعباء المالية لدلالة على هذه الأمور، والتي يقصد بها جميع الالتزامات المالية للأفراد من قبل الدولة أو الأشخاص المعنوية التي لها طابع عام، أي التي تحصلها الدولة قهرا بالاعتبارها سلطة عامة، كما يتم التحقق من كون الموظف له شأن في تحصيل هذه الأعباء بالرجوع إلى اختصاصات المنصب الذي يشغله والتأكد أن من بينها هذا التحصيل وأي قد من الاختصاص ولو كان ضئيلا يكفي لذلك، فلا يشترط أن يكون التحصيل اختصاصه الوحيد، ولا يشترط أن يكون اختصاصه الرئيسي. كما لا يشترط أن يكون اختصاصه بناءا على نص قانوني أو لائحي أو قرار إداري، بل يجوز أن يكون بناءا على تكليف شفوي.
2-الركن المادي:
يكون الحصول على المال غير المستحق أو الزيادة إما عن طريق الطلب أو التلقي أو بالأمر.
أ-الطلب:
هو التعبير صراحة أو ضمنا عن إرادة الجاني في الحصول على المال وقد يكون الطلب مكتوبا أو شفهيا، كما يقصد بالتلقي أخذ المال، سواء كان سبقه الطلب أو وقع تلقائيا من المكلف بالأداء لخطأ في حساباتها بل ويتحقق الأخذ حتى وإن قدم المال للجاني عن إرادة وعلم المكلف بالأداء بأنه غير مطالب بدفع ذلك المال مادام الجاني قد أخذ بشكل غير مستحق الأداء، والمقصود بالأمر ما يصدر عن الرؤساء والمرؤوسين من تعليمات لتحصيل ما هو مستحق، ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في طلب أو أخذي ما هو غير مستحق أصلا من المجني عليه، أو يكون مستحق ويطلب أو يأخذ الموظف ما يزيد عن ذلك، ويكفي مجرد الطلب لتتم الجريمة، وبديهيا يتم إذا أعقبه الأخذ، سواء طلبه الموظف أو أعطى له دون أن يطلبه، طالما قبل ذلك عن علم واقتصار الشارع على صورتي الأخذ والطلب لا يعني استبعاد التلقي الذي يقع عادة من محصلي الضرائب والرسوم كضرائب الاستهلاك ورسوم أشغال الطرق والغرامات المحكوم بها، أي كل ما يشكل موردا من الموارد المالية للدولة.
ب-قبض غير مشروع لمبالغ مالية:
تقتضي الجريمة قبض غير مشروع لمبالغ مالية والأصل أن تقبض المبالغ المالية محل نشاط الإجرامي بعنوان الرسوم والحقوق والضرائب وغيرها، وبالرجوع إلى المشرع الجزائري فإنه يختلف عن بعض التشريعات التي حصرت ما يتلقاه أو يطلبه الموظف العمومي، ويدخل في إطار الرسوم والضرائب والعائدات والغرامات، وقد استعمل بعض المختصين مصطلح العبء المالي للدلالة على هذه المداخيل.
3-الركن المعنوي:
يجب أن يتوفر العلم والإرادة لدى الشخص، وهنا للركن المعنوي دور كبير في تحديد مدى تورط الموظف العمومي في هذه الجريمة، حيث أنه في بعض الحالات، ونتيجة لخطأ غير متعمد قد يطلب الموظف العمومي زيادة في أموال مستحقة بسبب خطأ مادي مثلا، فهنا لا تقوم الجريمة إذا تبين عدم تعمد الموظف العمومي تجاوز المبلغ المحدد، أو يكون الموظف العمومي قد أخطأ نتيجة اعتماده على مرسوم أو قانون سابق، لكن في هذه الحالة يجب إثبات عدم التعمد، لأن في هذه الحالة قد تثار مسؤوليته بناءا على قاعدة لا يعذر بجهل القانون.
يتمثل الركن المعنوي كذلك في القصد الجنائي أي اتجاه نية الجاني إلى طلب المال أو أخذه، وهو يعلم أنه بذلك يحصل على ما هو غير مستحق التحصيل، فإذا انتفى العلم انتفى الركن المعنوي وافتقدت الجريمة أحد أركانها، كما لو كان الفاعل يجهل أن المال غير المستحق أو أخطأ في المال المستحق، وإذا توفرت الجريمة فإنه لا يعتد بالباعث على الجريمة أو الهدف منها أيا كان. ولكن في هذه الحالة قد تطرح قاعدة لا عذر بجهل القانون، لاسيما أن هذه القاعدة تشمل الجانب الجنائي والجزائي أي قانون العقوبات، والتي تفترض علم الموظف بها.
رابعا: العقوبات المقررة لجريمة الغدر
نص المشرع الجزائري في إطار المادة 30 على العقوبات المقررة لجريمة الغدر وميز في هذا الصدد بين نوعين من العقوبات.
1-العقوبات السالبة للحرية:
تخص فقط الشخص الطبيعي دون المعنوي، وهي الحبس من سنتين إلى عشر سنوات، وبالتالي فكيف الجريمة بأنها جنحة.
2-العقوبات الماسة بالمال:
فرض المشرع الجزائري غرامات مالية على كل من يرتكب جريمة الغدر تستبع العقوبة السالبة للحرية وتتمثل في غرامة مالية 200.000 دج إلى 1.000.000دج، بالنسبة للشخص الطبيعي، أما بالنسبة للشخص المعنوي فتقد من 1.000.000 إلى 5.000.000دج.
3-العقوبات التكميلية:
أ-بالنسبة للشخص الطبيعي:
تطرق إليها المشرع الجزائري في نص المادتين 9 و9مكرر من قانون العقوبات الجزائري، فبالنسبة للأولى تتمثل في الحجر القانوني؛ الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية؛ تحديد الإقامة؛ المنع من الإقامة؛ المصادرة الجزئية للأموال؛ المنع المؤقت لممارسة مهنة أو نشاط، الإقصاء من الصفقات العمومية؛ الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع؛ تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة؛ سحب جواز السفر؛ نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة، بينما فيما يخص الثانية فتتمثل في الحجر القانوني الذي يتجسد في حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية.
ب-بالنسبة للشخص المعنوي:
نص عليها المشرع الجزائري في المادة 18 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، وتتمثل في حل الشخص المعنوي غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدى لا تتجاوز خمس سنوات، الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات؛ المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات؛ مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها؛ نشر وتعليق حكم الإدانة، الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.- Enseignant: ZAADI MOHAMED DJELLOUL