محاضرة حول إساءة استغلال الوظيفة
1-تعريف جريمة إساءة استغلال الوظيفة
تعرف هذه الجريمة تحت مسميات مختلفة مثل "التربح"، أو الانحراف بالسلطة أو حتى إساءة استغلال الوظيفة، وقد تطرق إليها المشرع الجزائري في إطار المادة 33 من القانون 01-06 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث جاء فيها ما يلي:" يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000دج، كل موظف عمومي أساء استغلال وظائفه أو منصبه عمدا من أجل أداء عمل أو الامتناع عند أداء عمل في إطار ممارسة وظائفه، على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وذلك بغرض الحصول على منافع غير مستحقة لنفسه أو لشخص أو كيان آخر".
يسمح لنا استقراء نص المادة 33 أعلاه باستخراج العناصر التالية:
تعريف جريمة إساءة استغلال الوظيفة:
على المستوى الفقهي تعددت التعاريف المنسوبة لهذه الجريمة، لعل أبرزها ذلك الذي قدمه فتوح عبد الله الشاذلي الذي يرى بأنها:" تلك الجريمة التي يرتكبها الموظف العمومي الذي خوله القانون سلطة على الأفراد تمارسها بكيفية لا تتماشى مع القانون، أو استعملها على غير النحو الذي حدده القانون، بابتغاء عرض ما، فأهدر بذلك حقوقا يحميها القانون. أو هي عدم التقيد في استعمال الوظيفة بالأغراض والحدود التي أُسندت من أجلها".
من خلال التعريف المشار إليه أعلاه نجد بأن لجريمة سوء استغلال الوظيفة هدفان اثنان هوما:
-تحقيق منفعة خاصة، حيث يسعى الموظف العمومي من خلال إقدام على هذا النوع من الجرائم إلى تحقيق منفعة شخصية لنفسه، أو لأحد أقاربه، أو لكيان تجمعه به مصلحة، ولم يشترط المشرع الجزائري أي شكل من أشكال المنفعة فقد تكون منفعة مادية، كما قد تكون منفعة معنوية؛
-يتمثل الهدف الثاني في الإضرار بالمصلحة العامة، وذلك من خلال تحويل الهدف من الوظيفة التي وكل بها من هدف أخلاقي إلى هدف لا يتفق ومبادئ الوظيفة التي يؤديها.
2-أركان جريمة إساءة استغلال الوظيفة:
لا يمكن أن يساءل الشخص، أكان طبيعيا أو معنويا، عن جريمة إساءة استغلال الوظيفة إلا أذا توفرت أركان ثلاث بالإضافة إلى الركن الشرعي المشار إليه أعلاه.
أولا: الركن المفترض
من خلال الرجوع إلى نص المادة 33 فإن المشرع الجزائري يشترط في الشخص الذي يرتكب هذه الجريمة أن يكون موظفا عموميا، تربطه علاقة وظيفية بإحدى المصالح الإدارية، وبمفهوم المخالفة فإن عدم توفر هذه الصفة في الموظف يؤدي إلى سقوط التهمة الموجهة للفرد.
ثانيا: الركن المادي
ويشترط في إطاره توفر مجموعة من العناصر:
أ-السلوك الإجرامي:
يتجسد هذا السلوك الإجرامي في صورتين؛ سلوك سلبي يتمثل في امتناع الموظف عن أداء عمل يأمر به القانون أو اللوائح التنظيمية المنظمة للعمل، ومن أمثلة ذلك الشرطي الذي يمتنع عن تحرير محظر مخالفة أو كاتب الضبط الذي يمتنع عن تسليم الحكم لصاحبه، أو سلوك إجابي يتمثل في أداء عمل بالمخالفة لما يأمر به القانون أو اللوائح التنظيمية، ومن أمثلة ذلك تسليم وثيقة لشخص من قبل موظف تسمح له بالقيام بعمل من دون أن يكون مؤهلا لذلك، أو اعتماد مخططات غير مطابقة للمواصفات لمقاول طمعا في قيامه ببناء أو إصلاح بيت الموظف.
وقد تم التأكيد على هذا الركن في إطار الاجتهاد القضائي وبالتحديد في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 28 جوان 2012، والذي بين فيه قضاتها أن جنحة إساءة استغلال الوظيفة تقوم على عنصر أساسي، يتعين إبرازه في القرار وإلا كان القرار مخالفا للقانون ومشوبا بالقصور، وهو أداء عمل أو امتناع عن أدائه على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وهو عنصر غير متوفر في قضية الحال باعتبار أن القوانين والتنظيمات التي تحكم صيد الأسماك الكثيرة الترحال وعلى رأسها التونة الحمراء تفيد في مجملها ولغاية صدور القرار الوزاري المؤرخ في 15 ماي 2012 بأن السفن الجزائرية لم تكن بحاجة إلى رخصة صيد يسلمها الوزير المكلف بالصيد البحري من أجل صيد التونة الحمراء، وإنما يكفيها الحصول على الترخيص بالصيد من المديرية الولائية للصيد البحري، وهي وثيقة كانت بحوزة مجهز السفينة.
ب-محل الجريمة إساءة استغلال الوظيفة:
هو الموضوع الذي يسعى إليه النشاط المجرم سواء كان سلبيا بالامتناع أو إجابيا بالفعل، وقد استعمل المشرع الجزائري مصطلحات لينة يمكن أن تفسر بمختلف الأشكال، حيث يهدف الموظف العمومي مرتكب الجريمة تحقيق "منافع غير مستحقة" لشخصه أو لأي فرد من أفراد عائلته مثلا، وهو مصطلح يفهم بأنه يشير إلى تحقيق الربح بشكل يحقق تعارض بين المصلحة العامة المأتمن عليها والمصلحة الخاصة التي يسعى لتحقيقها.
ثالثا: الركن المعنوي
جريمة إساءة استغلال الوظيفة هي من الجرائم العمدية، وكما أشرنا إليه سابقا فهي تنطوي على قصد عام وقصد خاص.
أ-القصد العام:
هو الأصل في جرائم التربح عموما، فيجب أن يتوفر عنصري العلم والإرادة، ويكون العلم بصفة الجاني كموظف وأنه مختص بالعمل الذي يباشره، فإن جهله وقت قيامه بالسلوك بصفته كموظف، أو جهله بأن هذا العمل يدخل ضمن اختصاصه ينفي العلم، وبالتالي ينتفي القصد الجنائي وفي حالة ما أقحم شخص آخر في هذه الجريمة فيجب توافر علمه بأن من شأن فعله تحقيق ربح بدون حق لهذا الغير، ولا يشترط في هذا الصدد أن يعلم الموظف بطبيعة الفائدة التي سيجنيها تحديدا أو التي سيجنيها الغير متى كانت غير مستحقة، بل يكفي إرادة القيام بالفعل مع العلم بتوافر الجمع بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
ب-القصد الخاص:
توفر القصد الخاص أي اتجاه إرادة الجاني إلى الحصول على ربح أو منفعة عنصر غير متفق عليه؛ فعلى الرغم أن هناك نموذج لهذه الجريمة يتطلب فيها المشرع قصدا خاصا، أي الحصول على منافع غير مستحقة لنفسه أو لشخص أو لكيان آخر، وهو ما يعني أن المشرع يشترط اتجاه نية الموظف من خلال اللجوء إلى هذه الأفعال إلى الحصول على منافع غير مستحقة له أو لجهة أخرى، وهو ما يحقق القصد الخاص.
3-عقوبة جريمة إساءة استغلال الوظيفة:
كيف المشرع الجزائري جريمة إساءة استغلال الوظيفة بأنها جنحة معاقب عليها جنائيا، ولكونها كذلك فلقد برمج عقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة مالية تتراوح من 200.000دج إلى 1.000.000دج، وتطبق على هذه الجريمة نفس الظروف المشددة والإعفاء من العقوبة والعقوبات التكميلية الواردة في جريمة الرشوة.
أما بالنسبة للشخص المعنوي فتتراوح العقوبة بين 1.000.000دج إلى 5.000.000دج، وتطبق عليه العقوبات التكميلية الواردة في المادة 18 مكرر من قانون العقوبات.- Enseignant: ZAADI MOHAMED DJELLOUL