محاضرة استغلال النفوذ

تعرض المشرع الجزائري لجريمة استغلال النفوذ في إطار المادة 32 من القانون 01-06 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، والتي جاء فيها ما يلي:" يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000دج:

1-كل من وعد موظفا عموميا أو أي شخص آخر بأية مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتحريض ذلك الموظف العمومي أو الشخص على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو من سلطة عمومية على مزية غير مستحقة لصالح المحرض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص آخر،

2-كل موظف عمومي أو أي شخص آخر يقوم بشكل مباشر أو غير مباشر، بطلب أو قبول أية مزية غير مستحقة لصالحه أو لصالح شخص آخر لكي يستغل ذلك الموظف العمومي أو الشخص نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية على منافع غير مستحقة".

تعريف جريمة استغلال النفوذ:

1-التعريف الفقهي لجريمة استغلال النفوذ:

تعددت التعاريف المنسوبة لجريمة استغلال النفوذ على المستوى الفقهي، ومن بين المختصين الذين عرفوها يمكن الإشارة مثلا إلى ياسر كمال الدين الذي يرى بأنها:" تمتع الشخص بنفوذ فعلي لدى السلطات العامة أو إحدى الجهات الخاضعة لرقابتها ومن ثم فإن الشخص، الذي يتمتع بهذا النفوذ يكون له قدر خاص لدى البعض من رجال السلطة العامة، الذين يكون بمقدورهم تحقيق مصالح أصحاب الحاجات وقد يرجع ذلك إلى مركز هذا الشخص في المجتمع، كأن يكون صاحب وظيفة عمومية مشهورة أو رئيس لنادي أو مركز رياضي أو ترفيهي، كما لو كان رجل أعمال معروف أو محاميا مشهورا بالحقل القضائي أو صاحب تبعية وظيفية لرجال السلطة العامة سواء كبر مركزه أو صغر، كما قد يكون مرجع ذلك إلى صلة الشخص الخاصة ببعض رجال السلطة العامة كالمصاهرة والنسب والصداقة أو المصالح المشتركة أو المتبادلة". كما يعرفها الأستاذ محمد أحمد درويش بأنها:" قيام موظف عام أو أي شخص آخر عمدا بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتماس أو قبول أي مزية غير مستحقة لصالحه أو لصالح شخص آخر لكي يستغل نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من الإدارة أو سلطة عامة على مزية غير مستحقة"، كما يعرف كذلك بأنه:" القيام عمدا بوعد موظف عام أو أي شخص آخر، بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحها إياه بشكل مباشر أو غير مباشر، لتحريضه على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول على مزية غير مستحقة لصالح المحرض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح شخص آخر".

2-أركان جريمة استغلال النفوذ:

بالإضافة إلى الركن الشرعي المشار إليه أعلاه، اشترط المشرع الجزائري توفر ثلاث أركان أخرى هي:

أولا: الركن المفترض

وهي صفة الجاني، وفي هذه الحالة ينبغي أن يكون هذا الأخير متمتع بنفوذ حقيقي أو مفترض لدى الإدارة أو السلطة العامة، والمقصود بالنفوذ أن يتمتع الشخص بنوع من التقدير لدى البعض من رجال السلطة الذين بيدهم قضاء مصالح ذوي الحاجات المطلوب الحصول لهم على مزية أو مصلحة ما حسب المادة، كما قد يكون ذلك راجع إلى مركزه الاجتماعي أو السياسي أو النيابي أو لسبب صلة قرابة أو نسب أو لعلاقة خاصة.

والعبرة في تقدير مدى تمتع الجاني بنفوذ حقيقي من عدمه هي بوقائع الجريمة وظروفها وملبساتها، حيث تم النص الفعلي أو المفترض، والإفتراض بوجود نفوذ لا يكون إلا بموقف إيجابي يفيد بوجوده صراحة أو ضمنا، بيّدَ أنه ليس من الضروري أن يكون إفتراض النفوذ نتيجة قيام الشخص الذي زعم وجود النفوذ قد لجأ إلى وسائل إحتيالية لإهام صاحب الحاجة بوجود نفوذ.

ولا يشترط أن يكون الزعم بالنفوذ صريحا، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني منطويا ضمنيا على فتراض ذلك، كما لم يشترط المشرع في المستغل نفوذه الفعلي أو المفترض صفة الموظف العمومي أو من في حكمه أو مستخدما عموميا، فيجوز أن يكون من عامة الناس.

ثانيا: الركن المادي

من يقوم باستغلال نفوذه يكون في مركز أشبه بالموظف المرتشي، سواء من حيث الفعل وصوره في الأخذ والقبول أو الطلب، كذلك موقف صاحب الحاجة واحد سواء في جريمة استغلال النفوذ أو في جريمة الرشوة، فكلاهما يسعى لقضاء حاجته إيجابا أو سلبا. وبالتالي فإن الركن المادي لهذه الجريمة يأخذ شكل الأخذ أو القبول أو العرض أو الوعد بالمزية غير المستحقة.

يستوي أن تكون المزية غير المستحقة لفائدة الشخص الذي يستغل نفوذا حقيقيا أو مفترضا، أو لأي شخص له مصلحة معه مثل أحد أقاربه، كما لم تحدد طبيعة المزية غير المستحقة، أكانت خدمة أو شيء ماديا مثل النقود أو الجواهر وغيرها من الأشياء المماثلة، أما مقابل المزية فتتمثل في الحصول أو محاولة الحصول لدى أي سلطة عامة أو إدارة عامة على مزية لصاحب الحاجة من أي نوع، ويشترط فيها أن تكون ممكنة التحقيق، فمثلا الشخص الذي يوهم شخصا آخر بإمكانية تعيينه في منصب لا يملك المؤهل القانوني لتحقيقه على أرض الواقع لا يعتبر مرتكبا لجريمة استغلال النفوذ، وإنما لجريمة النصب في حالة توفر أركانها.

هذا، ويفهم من نص المادة أعلاه شرط أن يكون استغلال النفوذ الحقيقي أو المزعوم لدى سلطة عامة أو إدارة عامة، وبالتالي استبعاد مؤسسات القطاع الخاص، كما لا يشترط أن يصدر عن موظف عام فيكفي أن يكون مثلا الشخص مستغلا لنفوذ أبيه، أو الزوجة لنفوذ زوجها، بالإضافة إلى ذلك يستلزم أن تكون السلطة المستغل نفوذها من قبل السلطات الوطنية، وبالتالي استبعاد السلطات الأجنبية، وأن تكون هذه السلطة موجودة حقيقية، وليست سلطة وهمية.

ثالثا: الركن المعنوي

يتطلب الركن المعنوي لهذه الجريمة أن يكون المستغل للنفوذ على علم بأن ما يتلقاه، من فائدة أو يطلبه أو يقبل الوعد به مقابل حصوله أو محاولة حصوله لصاحب الحاجة على مزية لدى السلطات العامة هو أمر مجرم، وأن يكون هدفه من الإقدام على هكذا نوع من السلوك تحقيق مصلحة لصاحب الحاجة، والاستغلال والخداع إذا لم يكن له هذا النوع من النفوذ، ويزعم وجوده، أو أنه يتمتع بالنفوذ فعليا لكن ينوي الحصول على المزية دون أداء مصلحة صاحب الحاجة، سواء هو من طلب الفائدة أو عرضت عليه، كما يتوفر القصد الجنائي أيضا لدى صاحب الحاجة متى كان غرضه من تقديم العطية لمستغل النفوذ أو الواعد باستغلاله أن يحث هذا الأخير على الاتجار بها والسعي نحو تحقيق مصلحته المنشوذة.

3-العقوبات المقررة لجريمة استغلال النفوذ:

الملاحظ في هذا الصدد أن المشرع الجزائري حصر العقوبة في الشخص الطبيعي دون المعنوي نظرا لستحالة تنفيذها من قبل هذا الأخير، وعاقب كل من يرتكبها بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة مالية من 200.000دج إلى 1.000.000دج، مع الأخذ بعين الاعتبار العقوبات التكميلية، بالإضافة إلى ظروف التشديد بشكل ما أشرنا إليه في إطار الجرائم السالفة الذكر.