وكخطوة وقائية لتحاشي ورود مثل هذه الممارسات في الإدارة العمومية برمجة المشرع الجزائري في نص المادة 9 من القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بوجوب تأسيس الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية على قواعد الشفافية والمنافسة الشريفة وعلى معايير موضوعية، وفي هذا الصدد تتبع كل إدارة القواعد التالية:
- علانية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقات العمومية؛
- الإعداد المسبق لشروط المشاركة والإنتقاء؛
- معايير موضوعية ودقيقة للإتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية؛
- ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم إحترام قواعد إبرام الصفقات العمومية.
المحاضرة رقم11: جريمة إختلاس المال العام
الإطار المفاهيمي لجريمة الإختلاس
تعرض المشرع الجزائري لمسألة إختلاس الممتلكات من قبل الموظف العمومي أو إستعمالها على نحو غير شرعي في المادة 29 من القانون 06-01 التي جاء فيها مايلي:" يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000دج كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو كيان آخر، أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها" .
وفي ضوء غياب تعريفا للإختلاس في إطار المادة 29 أعلاه يمكن الإعتماد على التعريفات التي خرج بها الفقه، ومن بينها التعريف الذي قدمه الأستاذ منصور رحماني الذي يرى الإختلاس هو:" كل سلوك أو تصرف يقوم به الموظف العمومي والذي يقصد من خلاله تحويل المال الذي عهد إليه بحكم وظيفته من حيازة وقتية على سبيل الإئتمان إلى حيازة نهائية على سبيل التملك، ونلاحظ في هذا الصدد بأن المشرع الجزائري، وفي إطار تعرضه لهذا النوع من الجرائم جعل الإختلاس يشمل أفعال أخرى للتبديد والإتلاف والإحتجاز والإستعمال غير الشرعي، كما حصر محل جريمة الإختلاس في الممتلكات والأموال والأوراق المالية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة.
أركان جريمة إختلاس المال العام:
ينطوي إختلاس المال العام على أربعة أركان؛ فبإضافة إلى الركن الشرعي تشمل أركانه الجانب المعنوي والمادي، إلى جانب الركن المفترض.
أولا- الركن المفترض
إن جريمة الإختلاس بحسب النموذج القانوني لها تعتبر من الجرائم ذوي الصفة التي يطلق عليها مصطلح الجرائم الخاصة، فهي لا تقع إلا من موظف أو مكلف بخدمة عامة وهذه الصفة تعد شرطا قانونيا يجب وجوده سلفا قبل وجود الجريمة.
وقد أشارت المحكمة العليا الجزائرية في قرارها رقم 599423 بتاريخ 17 ديسمبر 2009 المنشور في مجلة المحكمة العليا الأول لسنة 2011 إلى أنه:" حيث يتبين أنه بالرجوع إلى السؤال محل المناقشة، أنه تضمن إختلاس مبلغ 8085000 دج من عائدات مركب عباد الصالحين، دون الإشارة إلى صفة المختلس كموظف عمومي بمفهوم المادة 119 السابقة من قانون العقوبات أو المادة الثانية من قانون مكافحة الفساد، وهل المال المختلس كان تحت يديه وهو ركن في الجريمة، الأمر الذي يجعل الأسئلة المطروحة في هذا الأمر ناقصة".
تجدر الإشارة إلى أنه قبل صدور قانون الفساد وإدراج جريمة الإختلاس فيه، كان يشترط إرتكابها من قبل الموظف أو القاضي أو الضابط العمومي وكل شخص تحت أي تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية والمؤسسات والهيئات الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات الإقتصادية أو أي هيئة أخرى خاضعة للقانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام.
ثانيا- الركن المادي
يتطلب الركن المادي العناصر التالية:
- السلوك الإجرامي ويتمثل في الإختلاس، الإتلاف، التبديد، الإحتجاز بدون وجه حق عمدا، إستعمال الأموال على نحو غير شرعي؛
- وجود المال في حيازة المتهم.
كما نلاحظ أنه لا يهم الوسيلة التي تم بها تسليم المال، ويستوي أن يكون المال قد سلم إلى الموظف تسليما ماديا أو حكميا، وسواء كان المال قد سلم إلى الموظف رغما عن صاحبه بمقتضى سلطة تبرز ذلك، أو يكون قد سلم عليه من صاحبه مباشرة أو عن طريق الإدارة.
ولقد تعرض المشرع الجزائري في المادة 29 السالفة الذكر إلى مجموعة من الممارسات نفصلها فيما يلي:
- الإختلاس:
يقصد به قيام المتهم بأخذ المال أو الشئ الموجود تحت يده بموجب وظيفته وينتج عنه إنتزاع المال أو الشيء من الحيازة الحقيقية لصاحبه إلى حيازة المتهم بنية تملكها والتصرف فيها لمصلحته الذاتية أو لمصلحة غيره.
فهو تحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك. ويتحقق الإختلاس بمجرد التصرف في المال، ولا عبرة إن كان هناك ضرر فعلي للمال، كما أن وجود عجز في حساب الموظف يمكن أن لا يكون دليلا بذاته على وقوع الإختلاس لجوز أن يكون ذلك ناشئا عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر، إذ يجب أن يتوفر شرطين لتحقيق هذا الفعل هما: - إعتبار المال المختلس مملوكا للجاني، والتصرف في هذا المال.
- الإتلاف:
ويتحقق بهلاك الشيء أي بإعدامه والقضاء عليه، ويختلف عن إفساد الشيء أو الإضرار به جزئيا، حيث يتحقق هذا الفعل بطرق شتى كالإحراق والتمزيق الكامل والتفكيك التام إذا بلغ الحد الذي يفقد فيه الشيء قيمته أو صلاحيته نهائيا.
-التبديد:
يمكن إعتباره فعلا ماديا يتحقق بقيام المتهم بإستهلاك الشيء أو المال أو بيعه وإنهاء وجوده بأي طريقة من الطرق ، حيث يمكن القول أنه فعل من شأنه إفناء المال أو الشيء المبدد أو التصرف فيه بالبيع أو الهبة أو أي تصرف يخرج المال من حيازة مالكه إلى حيازة الغير بشكل نهائي.
كما يحمل التبديد معنى الإصراف والتبذير كمدير البنك الدي يمنح قروضا لأشخاص وهو يعلم بعدم جدية مشاريعهم وعدم قدرتهم على الوفاء بالدين عند حلول الأجل.
-الإحتجاز بدون وجه حق:
لا يتوفر الركن المادي لجريمة الإختلاس بالإستلاء على الشيء أو تبديده فحسب، بل يتحقق أيضا بإحتجازه عمدا وبدون وجه حق إذا عمد المشرع حفاظا على الودائع إلى توسيع مجال التجريم إلى التصرف الذي من شأنه أن يعطل المصلحة الذي يعد المال لخدمتها؛ فهو يعني أن الموظف العمومي الذي يوجد المال أو الشيء تحت يده قد طلب منه إعادته إلى صاحبه، لكنه إمتنع وحجز هذا المال أو هذا الشيء تعسفا وبدون أي موجب قانوني. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن فعل الإحتجاز بالرغم من كونه فعل يكون الجريمة بحد ذاته إلا أنه قد يكون فعل سابق على الإختلاس فقد يقوم المتهم أولا بإحتجاز المال أو الشيء، ثم بعد ذلك يقوم المتهم بإختلاس هذا الشيء المحتجز. فحتجاز الشيء يفيد أن نية الجاني مازالت غير راغبة في التصرف فيه والظهور بمظهر المالك الحقيقي له، ومن قبيل الإحتجاز بدون وجه حق حق أمين الصندوق في هيئة عمومية الذي يحتفظ لديه بالإرادات اليومية التي يتوجب عليه إيداعها لدى البنك.
إستعمال الممتلكات على نحو غير شرعي:
ويعني ذلك أن يستعمل الجاني المال لغرضه الشخصي أو لفائدة غيره شخصا كان أو كيانا. فقد يكون الإستعمال للغرض الشخصي، أي الإنتفاع الشخصي من المال كإستعمال هاتف المؤسسة أو حاسوبها لأغراض شخصية أو إستعمال سيارة المصلحة خارج أوقات العمل وفي غير الغرض المخصص لها، وقد يكون الإستعمال لفائدة الغير سواء أستعمل المال بعينه لصالح الغير مثل صنع آلة لصالح الغير أو سلم المال للغير حتى ينتفع به كما لو سلم رئيس البلدية لأحد لنقل بضاعته من مكان إقتناعها إلى متجره.- Enseignant: ZAADI MOHAMED DJELLOUL