المحاضرة رقم 9

تعرض المشرع الجزائري لجريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية في إطار المادة 27 من القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، و جاء فيها ما يلي: "يعاقب بالحبس من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة و بغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج، كل موظف عمومي يقبض أو يحاول أن يقبض لنفسه أو لغيره، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منفعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي أو التجاري أو المؤسسات العمومية الإقتصادية".

و في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى بعض المفاهيم اللصيقة بهذه الجريمة، و المتمثلة في الوضع الراهن بالصفقات العمومية، و التي عرفها المشرع الجزائري في مختلف القوانين التي سنها لتنظيم هذا الموضوع، نقتصر في الوضع الراهن على الإشارة إلى الموقف الذي ثبت عليه في المرسوم الرئاسي 15-247، و الذي عرفت المادة 2 منه الصفقات العمومية بانها: "الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين إقتصاديين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم لتلبية حاجيات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال و إقتناء اللوازم و الخدمات و الدراسات". إنطلاقا مما سبق ذكره، فإن الصفقات العمومية تنطوي على مجموعة من الخصائص، يمكن حصرها فيما يلي:

-بيّن المشرع بأن الصفقات العمومية عقود مكتوبة، و بالتالي أضفى عليها الطبيعة الرسمية؛

-تتم الصفقات العمومية بمقابل مادي؛

-الصفقة العمومية محددة من حيث الموضوع؛ إذ ترد على مشروع معيّن؛

-الصفقة العمومية تتم وفق شروط و إجراءات قانونية؛

-تجمع الصفقات العمومية طرفين، يتمثل الطرف الأول في الإدارة من جهة، و من جهة أخرى المتعاملين الإقتصاديين.

من خلال المعطيات المتعرض إليها آنفا يمكن إستخلاص الأركان التي تستوجبها هذه الجريمة، و المتمثلة في:

أولا-الركن المفترض:

تجدر الإشارة في البداية إلى أن جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية من جرائم ذوي الصفة، و التي لا يمكن تصور وقوعها إلا إذا توافرت في فاعلها الصفة التي يتطلبها القانون، فهي من هذه الناحية جريمة موظف عام و لا يمكن أن يرتكبها غيره، و بالإضافة إلى ذلك لا بد أن يكون الموظف مختصا بالقيام بذلك، أيا كانت المرحلة التي وصل إليها إبرام الصفقة العمومية، أكانت مرحلة إعلان طلب العروض، أو مرحلة تقديم العروض و فحص العطاءات...إلخ. (راجع الفئات المختلفة للموظف المشار إليها أعلاه)

ثانيا-الركن المادي:

يشمل هذا الركن عدة أوجه التي تعبر عن إتجار الجاني بوظيفته و إستغلالها، حيث يتمثل النشاط الإجرامي في قبض أو محاولة قبض أجرة أو منفعة مهما كان نوعها من طرف الأشخاص المخولين قانونا بإبرام الصفقات، و تقتضي الجريمة أن تتم بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق بالصفقة باسم الدولة أو إحدى الهيئات التابعة لها.

هذا، و ينقسم الركن المادي بدوره إلى عنصرين أساسيين، هما:

أ-النشاط الإجرامي:

يتمثل في الوضع الراهن في قيام الموظف العمومي بالقبض أو محاولة القبض لمنفعة أو أجرة مهما كان نوعها، سواء لنفسه، أو لغيره بصفة مباشرة أو غير مباشرة، و بالتالي تكون مناسبة تقديم الرشوة فيها محددة في تحضير أو إجراء مفاوضات بشأن إبرام صفقة أو عقد أو ملحق. و على الرغم من الغموض الذي يكتنف نص المادة 27 المشار إليها أعلاه بفعل طابعها العام، فلم يحدد عناصر النشاط الإجرامي، إلا أن الرجوع إلى مختلف المؤلفات التي أصدرت بهذا الشأن تسمح باستخلاصها كما يلي:

1-الطلب:

يعرف الطلب بأنه ذلك التعبير الصادر عن الإرادة المنفردة للموظف في رغبته في الحصول على منفعة مقابل قيامه بالعمل الوظيفي أو الإمتناع عن القيام به، و لا يهم أن تكون المنفعة لنفسه أو لغيره، و لا يهم أن تكون المنفعة مادية أو معنوية معروضة أو موعودة. و المهم في هذا المجال أن يصل الطلب إلى معرفة صاحب المصلحة، فقد ينفذ المرتشي العمل المطلوب منه و قد لا ينفذه، و قد يدفع له الراشي هذه المنفعة كما قد لا يدفعها، فهذه الأمور هي ثانوية لأن الأصل أن تكون ماديات الجريمة قد تمت بطلب جدي، و في حالة العكس أي إذا كان الطلب غير جدي لا تقوم الجريمة، و يمكن أن يصدر الطلب كتابة أو شفاهة، و قد يكون صريحا أو ضمنيا، فالشكل غير مهم و ضروري بقدر ما يكون طلب المرتشي قائما و فعليا.

2-القبول:

هو تعبير صادر عن غرادة حرة، وواعية، و مدركة بأن ما يقوم به هو متاجرة بالوظيفة و إستغلالها للمصلحة الخاصة. و يعبر الموظف من خلال هذه الإرادة عن موافقته لتلقي مقابل أدائه للعمل الوظيفي في المستقبل، و يجب أن يكون هذا القبول جديا، و لا يشترط فيه صورة معينة، فقد يصدر شفاهة أو كتابة أو ضمنا، و لكن في الواقع يصدر شفاهة و صراحة أو ضمنا، و نادرا ما يقع كتابة لتفادي الإثبات و الإدانة. فبمجرد القبول الجدي من الموظف العمومي تتحقق جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية.

3-الأخذ:

هو تسلم فائدة أو أجرة مقابل آداء العمل الوظيفي، و يتميز الأخذ عن القبول في أنه ينصب على ذات العطية لا على مجرد الوعد بها، كما أن الأخذ يفترض سلفا القبول، بل و يستوعبه.

ولم يحدد المشرع الجزائري في قانون الوقاية من الفساد و مكافحته طبيعة الفائدة أو الأجرة في جريمة الصفقات العمومية، فهي عموما لا تختلف عن الأجرة أو الفئدة التي يقبضها المرتشي لقاء آدائه عملا أو الإمتناع عن آدائه، فهي ما يدفع من رشوة أو عمولة إلى الموظفين من أجل تسهيل و تسريع عقد الصفقات لرجال الأعمال و الشركات الأجنبية.

تتجسد الأجرة أو المنفعة في شكل مادي، يتمثل في غالب الأحيان في نقود كما هو الحال في غالب الحالات، أو في شيك يحتوي مبلغا ماليا، و قد تكون الأجرة أو المنفعة عمومية متمثلة في دعاية يقوم بها المرتشي للراشي بغرض فوزه مثلا في الإنتخابات، أو دعم ترقيته في أحد المناصب التي يصبو لتقلدها.