هذا المقرر موجه لطلبة ماستر 1- السداسي الأول، تخصص الفقه المقارن وأصوله وضمن مادة أصول الفقه المقارن1

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

أما بعد:

فإن من عقيدة المؤمن أن الكتاب والسنة بريئان من كل تعارض واضطراب، ليس هذا محل تردد ولا ارتياب ولا شك، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" وقال مخبرا عن نبيه صلى الله عليه وسلم: "وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)"

لكن يعرض للعلماء الناظرين في الأدلة توهم التعارض بينها؛ فيكون هذا العارض الموهم سببا للإشكال في فهم الأدلة وفي تنزيلها على الأحكام.

ولما كان الأمر كذلك توجهت عناية الأصوليين وغيرهم بهذا الأمر العلمي ووضعوا له القواعد التأصيلية وجعلوه من مباحث جل العلوم الشرعية صيانة للوحي من توهم الخلل ولإعمال الأدلة واستخراج الأحكام منها.

ولا ريب عند كل ناظر في أصول الشريعة أن معرفة التعارض والترجيح بأحكامها وقواعدها من أدق أبواب العلم وأعسرها.

قال السخاوي: “وإنما يكمل للقيام به من كان إماما جامعا لصناعتي الحديث والفقه؛ غائصا على المعاني الدقيقة”.

كما أن الاشتغال بالتعارض والترجيح من أجل وأعظم ما يبني الملكة العلمية لدى طالب العلم ليصل لمراقي الصعود ومنزلة الاجتهاد.

هذا، وفي هذه المحاضرات بيان لهذا الأمر العلمي وجلاء لبعض مسائله.