Objectives of the learning : to enhance students to understand religion texts from foreign language to Arabic one

دروس خاصة بمقياس الانجليزية من تقديم الاستاذة بوعلام خديجة موجهة لطلبة السنة الثانية اصول الدين 

-جامعة آكلي محند أولحاج-

-البويرة-

-كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية-

-قسم الشريعة -

مطبوعة العقيدة الإسلامية

سنة ثانية أصول الدين

الدكتورة أنيسة زغدود

 

 

السنة الجامعية: 2023/2024م الموافق لـ 1444/1445ه

 

 

 

 

 

 

 

 

مفردات المقياس :

أولا-الإلاهيات .ثانيا - النبوات .

أولا : الإلاهيات : - الإلاهيات في الوحي و الفلسفة و علم الكلام :1-وجود الله .2- الأسماء و الصفات .

ثانيا : النبوات :1- وجه الحاجة إلى النبوة و طبيعتها.2-ماهية الوحي .3- عقيدة ختم النبوة .

الدرس رقم 01

أولا-الإلاهيات

قسم علماء  الكلام مباحث العقيدة  إلى ثلاثة أقسام :-1-الإلاهيات .2-النبوات .3-السمعيات .

1-الإلهيات : وتتناول ما يتعلق بوجود الله تعالى وما يجب في حقه عز وجل من الصفات و ما يجوز وما يستحيل مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

2-النبوات:وتتناول كل ما يتعلق بالنبوة والرسالة من حيث جوازها و الصفات الواجبة في حق الرسل والجائزة و المستحيلة مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

3-السمعيات:وتتناول العقائد الدينية التي مصدرها السمع فقط (الوحي والسنّة) مثل عذاب القبر ونعيمه و الحياة البرزخية واليوم الآخر مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

1 - الإلاهيات في الوحي و الفلسفة و علم الكلام

الموضوع الأول - وجود الله تعالى:

ما هي أدلّة القرآن و المتكلّمين والفلاسفة المسلمين على إثبات وجود الله تعالى ووحدانيّته؟

أولا -أدلّة الوحي في إثبات وجود الله ووحدانيته:

يمكن أن نذكر أدلّة القرآن الكريم في إثبات وجود الله تعالى ووحدانيّته كمايلي: 1-دلالة الخلق والإبداع .2-دلالة العناية. 3-دلالة الفطرة.

1 - أدلة الخلق والإبداع: و تسمى أدلة الاختراع ، و الدلائل الكونية.

ومعناها أن وجود المَوْجودات وحدوثها بعد أن لم تكن يدل على وجود من أوجدها وخلقها.  فتفرد  الله بالخلق من العدم والإبداع على غير مثال سابق من أخص أوصاف ربوبيته ، واستدلّ به لإثبات وجود الله ووحدانيته واستحقاقه للعبادة.

-يثير القرآن الكريم قضية الخلق بصورة عامة لينبه الإنسان للتفكر في وجود الخالق ووحدانيته، قال الله تعالى :﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ الرعد :16.

-وتوجد آيات كثيرة تتحدث عن مجالات الخلق لإثارة العقل إلى التساؤل :من خلقها ومن صورها على هذا الشكل قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا  لقمان: 10 قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ فاطر: 27 .

-كما نجد في القرآن آيات تخصص مجالا واحدا وتفصل فيه تفصيلا دقيقا قال تعالى : ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ فصلت :9 – 12

  وقد فهم أعرابيّ يعيش في البادية هذا الدليل حين سُئل بما عرفت ربّك؟ فقال : " البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض فِجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السّميع البصير؟".

2 - أدلة العناية : والمقصود بها ما يلاحظه الإنسان من النظام والإتقان والتقدير في هذا العالم، فالسماوات وأفلاكها والأرض ومحتويـاتها، خلقت بـالحق، وبه حفظت، قـال تعالى: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقّ﴾ الأحقاف : 3 وقال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾الفرقان : 2 . فهو قيوم السماوات والأرضين، فلا قيام لهما ولا استقرار إلا به سبحانه وتعالى  كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ فاطر :41. ونستنتج من هذا أنه لا يوجد صدفة في الكون وكل شي فيه خلق طبقا لغرض معين وبتوازن بديع وبتناسق وترتيب عجيب.

وإذا تأمل الإنسان بفكره في جزئيات هذا العالم المسخر لمصالحه والتي عليها استقرار حياته، كفاه ذلك دليلاً واضحا وحجة بينة على أن هذا العالم مخلوق لخالق حكيم قدير عليم ،قد قدر هذا العالم فأحسن تقديره، ونظمه فأتقن تنظيمه. قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ النمل :88. يقول تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ القصص : 73.

 و من عناية الله بالإنسان حسن خلقه و هدايته و أنواع النعم و الطيبات قال تعالى:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ  التين 4، وقال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا الإنسان :3 ، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ  النحل :72. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ  النحل: 66 .

3 -أدلة الفطرة : الفطرة لغة : هي الخِلقة التي يكون عليها الإنسان في أول أمره.

أما الدليل الفطري على وجود الله فيعني: أن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ولهذا تسمى أدلة الفطرة الأدلة الوجدانية. و من الأدلة على ذلك مايلي :

ا-آية العهد و الميثاق :  قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف : 172.

ب- آية سورة الروم : قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ الروم: 30.

و من السنة :    ا- ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)). البخاري (1359)، مسلم بنحوه (2658). 

ب-عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم)) رواه مسلم (2865). 

وأبرز دلالات الفطرة ثلاثة:

ا- حالة الاضطرار:في حالة انقطاع الأسباب ووقوع الإنسان في شدة تصفو الفطرة ويلجأ الإنسان داعيا ضارعا إل ربه أن يكشف غمّته، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ  الروم: 33، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ  يونس: 22 .

ومن سنن الله الاستجابة لمن دعاه مضطرا بغضِ النظر عن سابق حاله، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ النمل :62.

ب- تطلع الفطرة إلى الكمال : من صفات الإنسان الميل إلى الكمال والسعي إليه والهروب من النقص. وبحكم قانون التضاد فإن هذا القول يؤدي إلى الاعتراف بوجود مدبر كامل ، فكما أن لكل شيء ضدا فالنور والظلام والعدل والظلم والعدم والحدوث ،كذلك العلم المحدود يقابله العلم غير المحدود والقدرة الناقصة تقابلها القدرة الكاملة، وإذن فنقص الآدمي وعجزه وسعيه لبلوغ أمانيه يبرهن أن في الغيب قدرة قاهرة وكمالا باهراً تنتهي إليه الأماني.

ج - الأشواق الروحية : خلق الله تعالى الإنسان من مادة وروح ولكل منهما حاجاته التي ينبغي أن تشبع فلابد من إشباع الجانب الروحي بدعاء الله وذكره والخوف منه والرجاء فيه ومحبته والطمع فيه والتوكل عليه والتسليم له .أي عبادته بالقلب واللسان والجوارح في كل حال. ومن نتائج هذا الإشباع الشعور بالقرب من الله والاطمئنان ، قال تعالى : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد :28، والذي لا يشبع هذا الجانب بالإيمان بالله وعبادته يشعر بالقلق والكآبة والفراغ الروحي.

الدرس رقم:02

ثانيا - طريقة المتكلمين  في إثبات وجود الله ووحدانيته :  

دليل الحدوث: هذا العالَمُ بجميع أجزائه حادِثٌ ( يعني وُجِدَ بعدَ عَدَمِهِ) وَ كُلُّ حادِثٍ لا بُدَّ لَهُ من مُحدِثٍ (يعني مَنْ يُوجِدُهُ) إذَن فهذا العالَمُ لا بُدَّ لَهُ من مُحدِثٍ.

  يذهب جمهور المتكلمين إلى إثبات وجود الله تعالى، عن طريق حدوث العالم، ذلك أن الحدوث عندهم هو العلة المحوجة إلى المؤثر، فإذا ثبت أن العالم حادث فلا بد له من محدث، يبرزه من حيز العدم إلى حيز الوجود، وهذه قضية بدهية ، فمن رأى بيتاً مبنياً منسقاً علم أنْ له بانياً ضرورة.

يرى المتكلمون أنه لا بد من إثبات حدوث العالم قبل إثبات وجود الله تعالى، ولهم في إثبات حدوث العالم أصول يقرونها.يقول المتكلمون: العالم جواهر وأعراض وقد يستدل على إ ثبات الصانع بكل واحد منهما إما بحدوثه أو بإمكانه . و الأعراض  بعضها  حادث بالمشاهدة كالضوء بعد الظلمة ،والوجود بعد العدم ، والحركة بعد السكون .وبعضها بالدليل. وهذه الأعراض تقوم بالجواهر فدل حدوثها على حدوث الجواهر. فهذه المصطلحات يصعب فهمها على الإنسان  فما الجواهر ؟ وما العرض ؟ و ما الجوهر الفرد؟

واختلفوا في تحديد مفاهيم هذه المصطلحات فكان المستدل على وجود الله تعالى بحدوث العالم يحتاج إلى ما يلي :1-إثبات ا لجواهر الفردة .2- إثبات حدوثها .3-الاستدلال بعد ذلك على أنها محدثة .

فهذه الطريقة للمتكلمين في إثبات وجود الله تعالى شاقة صعبة المنال حتى على المتخصصين بالإضافة إلى الاعتراضات الموجهة إليها ثم بطلان نظرية الجوهر الفرد علمياً الآن فالجوهر الفرد عندهم هو الجزء الذي لا يتجزء وقد أثبت العلم الحديث تجزأه فدل على بطلان  النظرية .ودليلي الاختراع والعناية من الأدلة التي قررها المتكلمون في أصول الدين ، كابن رشد الحفيد ، رحمه الله .

-و من البراهين العقلية التي أخذها المتكلمون من القرآن الكريم برهان الخلق .نجد ذلك في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ  الطور 35-36.

فالاحتمالات العقلية في الآيتين ثلاثة وهي :

أ - (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ): هذه المخلوقات كانت عدما والعدم لا يوجد شيئا ، إذن الاحتمال الأول باطل.

ب-(أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) :  أنهـم خلقـوا أنفسهـم ، وهذا أشد امتناعاً في العقل، لأن المخلوق لا يخلق نفسه. 

جـ-( أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ):و لا أحد خلق السماوات و الأرض من الناس أو ادعى ذلك .و المخلوق لا يخلق غيره .

فلم يبق إلا أن لهم خالقاً خلقهم، وهذا يسلم به العقل وهو الحق . فالخالق أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن ، والخالق هو واجب الوجوب لذاته فهو الأول والآخر لذاته ، والمخلوقات لها بداية ونهاية ، وتستمد وجودها من الخالق.

وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ فَبَلَغَ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35 - 37]، وَكَانَ جُبَيْرٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا، قَالَ: "كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَذَلِكَ أَوْلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي". أخرجه البخاري (4023، 4854).

-و من البراهين العقلية التي أخذها المتكلمون من القرآن الكريم : ( دليل التمانع ) و معناه: أن وجود النظام في الكون يدل على أن الإرادة المتحكمة فيه إرادة واحدة لا تقبل التعدد .ولو افترضنا وجود إرادة ثانية تتصرف في الكون لأدّى عند تعارض الإرادتين في شأن الخلق و وضع النظام إلى الاحتمالات الآتية :

1- أن تنفذ الإرادتان وهو مستحيل لأنه جمع بين النقيضين.

 2- أن تتعطل الإرادتان معا، وهذا عجز يتنزه عنه مقام الألوهية.

3 - أن تنفذ إحدى الإرادتين فتكون النتيجة العقلية أنه لابد أن يكون الإله واحدا ، قال تعالى : ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الأنبياء :21 ـــ 22.

ويؤيد هذه الآية قوله تعالى : ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ المؤمنون:91 ويؤيده قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً الإسراء :42.

 ثالثاً - طريقة الفلاسفة المسلمين في إثبات وجود الله تعالى :

دليل الإمكان:لم يسلك  هؤلاء مسلك المتكلمين وهو الاستدلال بالحادث على المحدث أو بالصنعة على الصانع ( دليل الحدوث ) وإنما سلكوا  مسلكا آخر يسمى دليل  الإمكان أو دليل الوجوب والإمكان فقالوا :إن الموجود إما أن  يكون واجبا أو ممكنا .والواجب ما  كان وجوده من ذاته و الممكن ما كان وجوده  من غيره .إذا فلا بدله من مؤثر يرجح وجوده من  على عدمه ،وهذا المؤثر إما أن يكون واجب  الوجود بذاته أو ممكن الوجود ، فإن كان  واجب  الوجود بذاته ثبت وجود الواجب و هو المطلوب . وإن كان ممكن الوجود احتاج إلى علة ترجح وجوده على عدمه و تسلسل الممكنات إلى غيرنهاية ممتنع  ،إذا لابد من انتهاء إلى علة غير محتاجة إلى علة أخرى  توجدها وهذه العلة عندهم هي واجب الوجود : الله تعالى .

أثبت فلاسفة الإسلام مثل ابن سينا والفرابي واجب الوجود لذاته و هو الله تعالى وجعلوه علة تامة صدرت عنها كل المعلولات كصدور شعاع الشمس عنها ، متأثرين بفكرة الفيض لأفلوطين ، مخالفين لفكرة الخلق التي وردت في القرآن و التي تقوم على قدرة الله و إرادته و حكمته و علمه .

 ومنه نستنتج أن الفلاسفة أوغلوا في التجريد و العقلانية في وصف الألوهية .فالإله الذي أثبته الفلاسفة غير الإله الذي جاء وصفه في القرآن الكريم بأنه الخالق القادر المدبر بمشيئته وعلمه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وسبب هذا الانحراف هو تأثرهم بالفلسفة اليونانية.

خلاصة :لاشك أن القرآن الكريم قد أشار في إثبات وجود  الله تعالى إلى دليل حدوث العالم ولكن الفرق بين طريقة المتكلمين وطريقة القرآن في كيفية إثبات هذا الحدوث .

فالقرآن يسلك بالمخاطبين سبيل الحس والمشاهدة في إدراك حدوث العالم كحدوث السحاب المسخر بين السماء والأرض وكذا إنزال الماء من السماء وكإحياء الأرض بالنبات وغيرها من الآيات التي أخذناها في دليل  الخلق لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ البقرة :164ـ

فقد جعل الله تعالى إدراك هذه ا لأعيان إدراكا مباشرا آياتٍ ودلائل على وجود الخالق والمحدث لها كما أشارت  هذه الآيات إلى حدوث الأعراض أيضا فالرياح وتصريفها وحركتها أعراض و كِلاهما يدرك بالحس.

وعليه فإن أدلة القرآن في إثبات وجود الله تعالى أدلة شرعية  وردت في الآيات وأمر الله بها ونبه إليها ودعا إليها لقوله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ  النحل :12. وهي أيضاً أدلة عقلية يصل إليها العقل وتخاطب العقل .بينما دليل المتكلمين عقلي مع مافيه من صعوبة مصطلحاته وطريقة إثباته .كما أن طريقة الاستدلال في الوحي واضحة بسيطة مقنعة إذ تخاطب عقل الإنسان وتتوجه إلى وجدانه و تنبهه إلى مظاهر العالم الخارجي حوله  وتنجسم مع فطرته .بينما أدلة المتكلمين والفلاسفة أدلة عقلية مجردة لها اصطلاحات خاصة  تعرضت لكثير من الانتقادات وهي صعبة حتى على المختصصين  .   

الدرس رقم :03

الموضوع الثاني- أسماء الله تعالى وصفاته :

1- أهمية موضوع الأسماء والصفات :إن شرف العلم تابع لشرف معلومه ،ولا شك أن أجل معلوم وأعظمه هو الله تعالى ،فلا ريب أن العلم به وبأسمائه و صفاته جل وعلا من أجل العلوم وأفضلها .فلقد خلقنا لتوحيد الأسماء والصفات والربوبية والألوهية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الاِنْسَ اِلاَّ لِيَعْبُدُونِ الذاريات :56

2-ثمرته:هذه المعرفة تزيد الإيمان وترسخ اليقين وتجلب النور والبصيرة.

فعلم الأسماء والصفات إذا رسخ في قلب العبد أوجب خشية الله تعالى،فعلم العبد بأن الله هو الرزاق و المانع و هو الذي ينفرد بالضر و النفع و الإحياء و الإماتة يثمر توكلا على الله تعالى فلا يطلب حاجته إلا من الله و لا يعتمد إلا عليه سبحانه. وإذا علم العبد أنه لا يخفى على الله شيء و أنه بكل شيء عليم يثمر ذلك للعبد حفظ جوارحه و خطرات قلبه عن كل مالا يرضيه عز وجل . وإذا علم أن الله هو الغني الكريم البر المحسن يحصل للعبد رجاء في الله تعالى ... وهكذا فإن معرفة الله تعالى بجلاله و عظمته و جبروته تثمر خضوعا من العبد واستكانة ومحبة لربه.ولذا فإن معرفة العبد لأسماء الله و صفاته على الوجه الذي أخبر به تجعل العبد يقوم مقام العبودية لله تعالى.

تنبيه : ليست أسماء الله وصفاته مسألة غامضة بالنسبة للمسلمين فكل مسلم يوحد الله ويصفه بصفات الكمال

و ينزّهه عن كل نقص، فالمشكلة أساسا عند اليهود و النصارى الذين حرفوا التوراة و الإنجيل و ألحدوا في أسماء الله و صفاته تعالى وغيرهم من الصّابئة و المجوس و أصحاب المذاهب و الأديان .و لم يأمرنا الله تعالى بالتفكر في ذاته و البحث فيها والبحث في  صفاته،بل أمرنا بالتدبر والتفكر في خلقه، فالله عزوجل هو أعلم بذاته وأسمائه 

و صفاته .فنسأل الله تعالى الثبات و السداد و التوفيق.

3-أسماء الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة:

-الأسماء الواردة في القرآن: نوعان ،النوع الأول ورد مفردا والنوع الثاني ورد مضافا.

النوع الأول:ما ورد في القرآن مفردا:مثل: [الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الحكيم] وذلك في قوله تعالى :﴿ هُوَ اللَهُ الَّذي لاَ أِلَهَ اِلاَ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَ الْشَهَادَةِ هُوَ الْرَحْمَنُ ألْرَحِيْمُ هُوَ اللَهُ الَّذِي لاَ اِلَهَ أِلآَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُوسُ الْسَلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَارُ الْمُتَكَبِرُسُبْحَانَ اللَهِ عَمَا يُشْرِكوُنَ هُوَ اللَهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِرُ لَهُ الاَسْمأءُ الْحُسْنَى يُسَبِحُ لَهُ مَا فِي الْسَمَوَاتِ و الاَرْضِ و هُوَ الْعزِيزُ الْحَكِيمُ الحشر: 22-24.

النوع الثاني: ما ورد في القرآن مضافا: [الرب ، الملك] :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يومِ الدِّينِ﴾ الفاتحة:1-3.[النّور] :﴿ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الاِرْضِ﴾ النّور: 35.[الغافر] :﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ في سورة غافر:3 .[المُحيي] ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ فُصِّلت:39.

[العالم] :﴿ إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَ الاَرْضِ﴾ فاطر: 38.[العلاّم] :﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ التّوبة:109.[البديع] :﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ﴾ البقرة: 117. [الفاطر] ﴿ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وا لاَرْضِ﴾ فاطر: 1.[الجامع] :﴿ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النّساء :104.

-بعض الأسماء الواردة في السنّة:

[الحنّان، المنّان]ورد في مسند أحمد عن أنس(ج3/158) :(ثمّ دعا وقال .. اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إلـه إلاّ أنت الحنّان..." .وفي رواية أبي داوود رقم 1495 بإسناد حسن "اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إلـه إلاّ أنت المنّان).

 [السُّبّوح] في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده (سُبُّوحٌ قُدُّوس ربُّ الملائكة والرّوح) .صحيح مسلم بشرح النّووي (ج4/204).

 [الشّافي] في صحيح مسلم والبخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو للمريض بقوله ( اللّهمّ ربَّ النَّاس أَذْهِبِ البأس اشف أنت الشّافي لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاء لا يغادر سقما). صحيح الجامع الصغير (/131).

 [الحيِيُّ، السِّتِّير] ورد في مسند أحمد وسنن ابن داوود والنّسائي عن يعلى بن أميّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنّ الله تعالى حيِيٌّ سِتِّيرٌ يحبّ الحياء و الستر فاذا اغتسل أحدكم فليستتر.) صحيح الجامع الصّغير (ج2/108).

[الوتر] ورد في الحديث: (لله تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنّة وإنّ الله وِتر يحبُّ الوتر). صحيح مسلم (ج4/262).

ملاحظات- الفرق بين الاسم والصفة: 

-أسماء الله :هي كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر:﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾النور : 18 ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة : 106. 

- الصفات: هي نعوت الكمـال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ الطلاق: 12. علمًا صفة .

 -فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد. فالاسمُ يُعتبر عَلَمًا على الله عز وجل مُتضمنًا للصفة. ويلزَمُ مِن إثباتِ الاسم إثباتُ الصفة.ولا يلزمُ مِن إثباتِ الصفةِ إثباتُ الاسم، مثل: الإرادة ؛ لا يلزم أن نثبتَ للهِ اسم المريد .بناءً على ذلك: تكونُ الصفاتُ أوسع، لأنَّ كلَّ اسم متضمنٌ لِصفة، وليست كلُّ صِفة متضمنة لاسم.

وإنما المقصود أن كل اسم من أسمائه يدل على ذاته وعلى ما في الاسم من صفاته .

-أسماء الله مشتقة ليست جامدة :كل اسم يتضمن صفة، فالعليم يتضمن صفة العلم، القدير يتضمن صفة القدرة، الحليم يتضمن صفة الحلم، الرحيم يتضمن صفة الرحمة، الله يتضمن صفة الألوهية، الحي يتضمن صفة الحياة. والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، والكريم يدل على الكرم.

-أسماء الله كلها حسنى لقوله تعالى: ﴿اللًهُ لاَ اِلَهُ هُوَ لَهُ الاَ سْمَآءُ الْحُسْنَى:طه: 8. ﴿هُوَ الْخَالِقُ الْبَارئُ الْمُصَوِرُ لَهُ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَىالحشر: 22.وحسنى يعني بلغت غاية الحسن و نهايته.وهي ليست محصورة بعدد تسع وتسعين وهي توقيفية بنص الشرع وورود السمع بها. 

-أسماء الله الحسنى يتعبد بها :أمر الله بدعاءه بها  لقوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ الأعراف: 180.  وهذه الأسماء كلها تدل على صفات، وتدل على كمال وجلال، وكلها تقتضي محبته ودعاءه والتوكل عليه.

الدرس رقم :04

4-صفات الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة: 

فإن الله سبحانه وتعالى ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ الأنعام:103، ولا يمكن أن يشبه شيئاً ولا أن يشبهه شيء ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾الشورى:11، فلا يمكن أن يعرف بالعيان ولا بالمثال، فلم يبق إلا معرفته بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال عليه بمخلوقاته.

-تقسيم الصفات الإلهية: 

ومن هنا فإن صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه في القرآن ووصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة يمكن تقسيمها إلى:1-الصفات الذاتية.2-الصفات الفعلية.3-صفات التنزيه.

1-الصفات الذاتية:

وتسمى صفات الذات وهي الصفات الثابتة لذات الحق تبارك وتعالى مثل: صفة العلم، والعزة، والعلو، والعظمة، والقدرة و الحياة ونحو ذلك من الصفات. ويدخل في صفات الذات ما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الله يتصف بها كاليد والوجه والعين ونحو ذلك من الصفات.لقوله تعالى : ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء   المائدة : 64  .وقوله أيضاً : ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ ص: 75   ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن ﴾ يس :71 .﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ  الزمر : 67 .

وقوله تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: 115: ﴿وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ الرحمن: 27 ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ  القصص :88

وقوله تعالى :﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ طه:39. ﴿ وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾هود : 37﴿  تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ القمر : 14 .﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ ِأَعْيُنِنَا﴾ طور: 48 . قوله تعالى : ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾  القلم :42 .

ما روى البخاري (6661)، ومسلم (2848) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ).

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ). كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى للقلوب كيف يشاء ،صحيح مسلم ص4804

 يقول الإمام البغوي: "الإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله سبحانه وتعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل.) شرح السنة (1/ 168). مع نفي التشبيه؛ فلا نقول: إصبع كأصابعنا؛ يقول الإمام ابن قتيبة: "ولا نقول: أصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه -عز وجل- لا يشبه شيئًا منا" تأويل مختلف الحديث (ص 303).

 و الاتفاقَ في التسميات لا يوجب اتِّفاق المسمَّين بها، فنحن نثبتُ الوجود لله تعالى، لكن وجودُه ليس كوجود خلقِه، فكذا نثبت له صفةَ الأصابع كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من هذا أنها تشبه أصابع خلقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: "وندين الله -عز وجل- بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه، وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف." الإبانة عن أصول الديانة (ص 26-27).

2-الصفات الفعلية :هي التي تتعلق بمشيئة الله تعالى  وقدرته كالخلق والرزق والاستواء على العرش والمجيئ والنزول إلى السماء الدنيا والغضب والفرح والضحك والكلام . وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾طه:5.قوله تعالى : ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾الأعراف :54.

قوله  تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا  الفجر: 22ـ  وقوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ البقرة : 210 ـ   قوله تعالى : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ الأنعام: 158 وقوله تعالى  : ﴿وَكَلَمِ الله مُوُسَى  تَكْلِيِماَ  النساء: 164 .وقوله : ﴿قُلْ لَوْكَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِي لَنَفِذَ البحْرُ قَبْلَ أنّْ تَنْفَذَ كَلِمَاتُ رَبي وَجِئْنا بِمِثْلهِ  مِدداً﴾ الكهف :109.قوله تعالى : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِمَا يُوُحى إِنَّنى أَنَا الله لاإِلهَ إلا أَنَاْ فَاعْبُدْنيِ وَ أقِمِ الصَّلاة َ لِذِكْرِى  طه 13 ـ14 .وقوله تعالى : ﴿تِلْكَ الرْسُلْ فضلنا بعضهم  على بَعْضَ مِنْهُمْ مَنّْ كَلَمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهَمْ دَرجَاتٍ  البقرة :253. وقوله تعالى : ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لمَيقاتنا َوَكَلَّمَهُ رَبَّه قَالَ رب أرِنى أَنظرْ إليْكَ﴾ الأعراف :143 .وقوله تعالى : ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا  مريم :52  .               

قوله تعالى : ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾الأعراف: 144 .

عن أبي هريرة رضى الله عن  النبي صلى الله عليه وسلم :  يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟  [ صحيح البخاري كتاب التهجد باب دعاء الصلاة من اخر الليل ] . أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758(

وفي هذا الحَديثِ بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تَبارَك وتعالَى يَنزِلُ كلَّ لَيلةٍ حِينَ يَبْقى الثُّلثُ الأخيرُ مِن اللَّيل، وهو نُزولٌ يَليقُ به جلَّ جَلالُه؛ فإنَّه يَجِبُ الإيمانُ بما ورَدَ في ذلك -وأمثالِه- عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن غَيرِ تَكْييفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِن غيرِ تحريفٍ ولا تمثيلٍ.

 3-صفات التنزيه :و تتضمن إثبات الكمال لله تعالى ونفي كل عيب ونقص .

لقوله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  شورى :11 ؛هي نفي يتضمن  إثبات  الكمال لله .

لقوله تعالى :﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ البقرة :255 ؛نفي يتضمن كمال القيومية والحياة .

لقوله تعالى :﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ سبا :3 ؛ نفي يتضمن كمال العلم .

لقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ ق: 38 ؛ نفي يتضمن كمال القدرة .

﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ البقرة: 255  ،نفي يتضمن كمال العظمة و القدرة .

﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  مريم :65 ؛ قال ابن عباس: هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً وهو قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم . وقال عكرمة، عن ابن عباس: ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه. ( تفسير ابن كثير).

قوله تعالى : ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الأنعام :100 أي : تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد ، والنظراء والشركاء . 

قوله تعالى : ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا  مريم 92 -91  أي : لا يصلح له ، ولا يليق به لجلاله وعظمته; لأنه لا كفء له من خلقه ; لأن جميع الخلائق عبيد له.

﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ  يُولدَ الإخلاص :3 . نفي الولد و الوالد والصاحبة.

  قوله تعالى : ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ  الإخلاص :4 .  لم يكن له شَبيهٌ ولا عِدْلٌ.

قوله تعالى :﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾ الأنعام :101 .   

﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ الكهف : 49.  نفي يتضمن كمال العدل.

لقوله تعالى : ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ  الذاريات :57 . أخبر أنه غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورازقهم ابن كثير.فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق، فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، .السعدي .

﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ  إثبات الوحدانيّة لله تعالى و نفي ألوهية سواه و نفي الشريك.

ما يُستفاد من الدرس :

-صفات الذات وصفات الفعل كلها ثابتة في القرآن وتسمى ثبوتيّة.

-صفات التنزيه التي تتضمن الكمال وتنفي عن الله تعالى صفات النّقص والعيب تسمى سلبيّة .

-صفة الكلام هي صفة ذاتية لأنها ملازمة للذّات الإلاهيّة و أيضا صفة فعليّة لأنها تتعلّق بمشيئة الله تعالى.

-من حيث أدلة ثبوتها هي :1- سمعية خبرية نقلية :أي جاء السّمع بإثباتها (الوحي والأحاديث الصحيحة) ؛مثل الاستواء، اليد ،الوجه ،المجيء ،الضّحك ،المحبّة ،الكراهيّة...

2-وسمعية عقلية :يشترك في إثباتها النقل والعقل مثل صفات العلم والسمع والبصر والعلو والقدرة و الحياة و الكلام.

-منهج القرآن في الصفات هو التفصبل في الإثبات والإجمال في النّفي.

-باب الصّفات أوسع من باب الأسماء.

الدرس رقم :5

الصفات عند المتكلمين :صفات واجبة و صفات مستحيلة و صفات جائزة .

الصفات الواجبة عند علماء الكلام و هي:

 1-صفة نفسية :صفة الوجود.

2-صفات المعاني: وهي سبع صفات. : القدرة والإرادة والعلم والحياة والسّمع والبصر والكلام،وهذه الصفات يقول بها جمهور المسلمين وأنكرها المعتزلة فرارا من تعدد القديم وأثبتوا أحكامها فقالوا هو قادر بذاته سميع بذاته عالم بذاته حيّ بذاته.

 وقد أنكر بعض الإسلاميين صفة الإرادة كمعنى مستقل بذاته تعالى، منهم المعتزلة الذين ذهبوا إلى أنّ إرادة الله تعالى لا تعدو أن تكون علمه ذاته بما يقع من الأفعال، وبعض الفلاسفة الذين تأثّروا بأفكار يونانية منها أنّ الله تعالى صدر عنه العالم بطريق الفيض ناشئا عمّا سمّوه عناية متأتية من صفة العلم دون قصد إرادي.   

 وقد ضلّ قوم من الفلاسفة المسلمين المتأثّرين بالفلسفة في تصوّر إحاطة علم الله بجميع المفهومات فقالوا إنّ الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.    

 ولم يقع اختلاف بين المسلمين في ثبوت صفة الكلام لله تعالى فإنّهم مجمعون على أنّه متكلم وأنّ له كلاما وإن اختلفوا في ماهية ذلك التكلم والكلام. وأنصار السّلف من أهل الحديث ينكرون على متكلمي الأشاعرة أقوالهم في الكلام النّفسي واللّفظي.                       

3-الصفات المعنوية: وهي سبع صفات :كونه قادرا وكونه مريدا وكونه عالما وكونه حيا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما . وأدلّة وجوبها له تعالى هي أدلة وجوب المعاني له، إذ المعنوية لازمة للمعاني والمعاني ملزومة لها وإذا ثبت الملزوم ثبت اللاّزم . فكونه تعالى حيّا لازم للحياة وكونه مريدا لازم للإرادة. ورأى بعضهم أنه يكفي إثبات صفات المعاني ولا داعي لذكر الصفات المعنوية معها، لأن مدلولات صفات المعاني متضمنة لمدلولات الصفات المعنويةقول بعضهم ـ وهم المعتزلة ـ نحن نثبت لله جل وعلا كونه عالما، ولا نقول له صفة زائدة على الذات هي صفة العلم، فأثبتوا لله حالا هو كونه عالما دون إثبات الصفة.

4-الصفات السلبيّة: وهي خمس صفات. الوحدانية والقدم والبقاء والقيام بالذات والمخالفة للحوادث. وهي التي  "تنفي النقائص في حقّ الله تعالى وذلك مثل الوحدانية التّي تنفي التعدد، والقدم التّي تنفي الحدوث، والمخالفة للحوادث التّي تنفي المشابه ." ترى الأشاعرة أن الوحدانية من الصفات السلبية الواجبة لله تعالى ومعناها عدم التعدّد في الذات وفي الصّفات وفي الأفعال، فالله تعالى واحد في ذاته، فذاته تعالى ليست مركّبة من أجزاء ولا توجد ذات تشبه ذاته تعالى، وواحد في صفاته، أي كلّ صفة من صفات الله تعالى واحدة فليس له تعالى صفتان أو أكثر من نوع واحد كقدرتين وإرادتين، وليس لغيره تعالى صفات تشبه صفاته تعالى، وواحد في أفعاله فجميع الكائنات مخلوقة بقدرة الله وحدها، فلا شريك له فيها وليس لغيره تعالى فعل من الأفعال.                                               

- والصفات المستحيلة في حقه تعالى  هي أضداد الصفات الواجبة : وهي التي يستحيل عقلا اتصاف الله بها، لأنها منافية لما ثبت لله نقلا وعقلا من صفات واجبة تناسب عظمته وجلاله.وهي : العدم و الحدوث و الفناء و الافتقار ومماثلة الحوادث و نفي الوحدانية والعجز والكَراهَةُ والجَهْلُ و المَماتُ و الصممُ و العَمَى و البَكَمُ. 

-والجائز من الصفات هي كل ممكن وتركه: يقول تعالى في سورة القصص الآية 68: ﴿*وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ*﴾ يؤكد قوله تعالى في هذه الآية الكريمة على أن من صفاته سبحانه أن يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، دون أن يملك أحد إلزامه بشيء أو الإعتراض عليه في فعله ومشيئته.

ويدخل هذا النوع في صفات الأفعال التي هي أثر قدرة الله وإرادته، بحيث يجوز في حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه في العدم، فلا يجب عليه فعله ولا يستحيل عليه تركه، بل يفعل ما أراد ويترك ما أراد، كالخلق والرزق والإماتة والإحياء والثواب والعقاب، وفعل الصلاح والأصلح للخلق، ومثل ذلك مما يناسب أن يعتبر صفة جائزة في حقه تعالى.

الصفات عند الفلاسفة المسلمين : ذهب فلاسفة الإسلام أمثال ابن سينا والفرابي... وغيرهم إلى أن صفات الله تعالى ليس معان قائمة بذات الله زائدة عليها ،بل هي ذاته .وهذا ينتهي إلى إنكارهم وجود الصفات ،حجّتهم أن العقل يحيل إثبات الصفات لأن إثباتها يؤدي إلى التجسيم وهو ينافي الوحدالنية عندهم ،فجعلوا الله تعالى وجودا مطلقا لا حقيقة له في الأعيان بل هو هو موجود في الأذهان.

الدرس رقم 06

مذاهب السلف والخلف في الصّفات:

 1 -مذهب السّلف الصّالح: السّلف الصّالح هم الصّحابة والتابعون وتابعو التابعين (القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على لسان النبي صلى الله عليه وسلّم :(خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

مذهب السلف الصالح هو الإيمان بأسماء الله وصفاته وإثباتها كما جاءت في الوحي ولا يُنقل عنهم -خاصة الصحابة- اختلافهم في الصفات ولا سؤالهم عنها أو البحث فيها. ومذهبهم التنزيه المطلق لله تعالى عن مشابهة مخلوقاته،فلا مجال عندهم للقياس بين الخالق والمخلوق. ولم يخض السلف الصالح في البحث عن كيفية ذات الله تعالى ولا كيفية صفاته.

سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى فقيل: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾طه:5 كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثمّ أمر بالرّجل فأخرج.              

     وقال الخطيب البغدادي في بيان مذهب السّلف في الصفات:"..فإذا كان معلوما أنّ إثبات ربّ العالمين عزّ وجلّ إنّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا لله تعالى يد وسمع وبصر وإنّما هو إثبات صفات الله تعالى لنفسه ولا نقول أنّ معنى اليد القدرة ولا أنّ معنى السّمع والبصر العلم، ولا نقول إنّها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التّي هي جوارح وأدوات فعل ونقول: إنّما وجب إثباتها لأنّ التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها."                                            

فعقيدتة السلف هي عقيدة الإثبات والتنزيه: "نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه على لسان رسوله من ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه وننزهه في ذلك عن مماثلة أو مشابهة شيء من مخلوقاته، ونثبت الاستواء والنّزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف، وبأنّ ظاهرها المتعارف في حقّنا غير مراد." الإمام ابن باديس في كتابه العقائد الإسلامية من الآيات القرانية و الأحاديث النبوية .

والمعطّلون هم الذين ينفون الصّفات والمشبهون الذين يشبهونها بصفات المخلوقات وكلاهما على ضلال، أمّا السنيون: فهم الذين يثبتونها له تعالى وينزهونها  عن التشبيه بالمخلوقات، والتعطيل تعطيل اللفظ عن دلالة معناه الحقيقي أو الخروج به  إلى معنى آخر، والتشبيه تشبيه الله بمخلوقاته، فنحن نثبت لله ما أثبته لنفسه من أقوال أو أفعال أو صفات، ولا نشبه في شيء من ذلك بالمخلوقات، ولا غرابة في إثبات شيء  مع عدم تكييفه ،فالإنسان  يثبت أنّ بين جنبيه نفسا ولكن لا يستطيع تكييفها كذلك نثبت صفات الله بلا كيف.

   وقد لخّص ابن تيمية مذهب السّلف في صفات الله تعالى فقال: " فالأصل في هذا الباب أن يصف الله بما وصف به نفسه وبما وصف به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفيا وإثباتا، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أنّ طريقة سلف الأمّة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصّفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل ." 

ومن قواعدهم : القول في الصفات كالقول في الذات . أي لا نعرف كيفية الذات ولا نعرف كيفية الصفات ؛أي ذات الله لا تماثل ذات المخلوقين كذلك صفاته لا تماثل صفاتهم . و القول في الصفات كالقول في الأسماء .

     2 -مذهب الخلف:

قال الشهرستاني: "واعلم أنّ جماعة من السّلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة و...لا يفرّقون بين صفات الذات وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبريّة مثل اليدين والوجه ولا يؤولون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون هذه صفات وردت في الشرع فنسميها صفات خبريّة." 

وأكثر الخلف يُؤولون الصّفات السّمعية الخبرية ومبدأهم التنزيه ؛أي نفي مشابهة الخالق بالمخلوق ،وفي هذا يتفقون مع مذهب السلف غير أنهم يختلفون معهم في طريقة التنزيه معهم. وهم يقولون :وكلّ نصٍّ أوهم التشبيهَا ... أوِّلهُ أو فَوِّض و رُمْ التنزيها .

 فالأشاعرة والماتريديّة والمعتزلة ومن تابعهم من الشيعة والإباضية فقد ذهبوا إلى القول بأنّ هذه الصّفات يفيد ظاهرها تشبيه الله تعالى بمخلوقاته وفي إمرارها على الظاهر إلحاق النقص به تعالى، ولذلك ينبغي تأويل هذه المعاني الظاهرة على معان أخرى تفيدها بالمجاز، تنزهه تعالى عن النّقص الحاصل بمشابهة المخلوقات، وعلى سبيل المثال فإنّ الاستواء يكون معناه الاستيلاء والغلبة، والنّزول معناه إسباغ الله نعمائه على عباده، والأعين معناها العناية والرّعاية .    

 لا يثبت الأشاعرة الصفات الخبرية كالوجه واليد والقدم، ولا الأفعال الاختيارية كالاستواء والمجيء والنزول، ونحوها ، ويتأولون ذلك أو يفوضونه.ومنهج السلف الصالح : إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل.فلا يحصرون الصفات في سبعة، ولا في ثلاث عشرة، ولا في عشرين، بل الصفات الثابتة لله أعظم من ذلك بكثير.

 أيّد المعتزلة مذهب الجهمية في نفي الصّفات ،واشتهر المعتزلة بنفي رؤية الله تعالى يوم القيامة. أثبت المعتزلة الذات مجرّدة من الصّفات وزعموا أن الله لا تقوم به صفة ولا أمر يتعلق بمشيئته واختياره (صفات خبرية فعلية) ،وهو قولهم "لا تحله الأعراض والحوادث" ،وبذلك نفوا الصفات الفعلية الذاتية لله تعالى .

 ومن الفرق الضالة المجسِّمة وهم الذين يشبهون الله بالإنسان ومنهم الشيعة الباطنية.

 الترجيح : يذهب العلماء إلى أن مذهب السلف الصالح هو الأسلم والأعلم والأحكم في باب الأسماء والصفات، لكن هناك من جوّز الأخذ بالتأويل في الصفات الخبرية عند الضرورة إذاخيف على ضعاف الأنفس التشبيه إن لم يؤول لهم ذلك الكلم ، بحيث يتصورون الإلـه مجسدا فيؤول لهم ذلك تأويلا سائغا في اللّغة المشهورة .                                

وقد ذكر الإمام ابن باديس "ونثبت الاستواء والنّزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف وبأنّ ظاهرها المتعارف في حقّنا غير مراد."

خلاصة:خالف المتكلمون وأصحاب الفِرق والفلاسفة المسلمون منهج القرآن والسنة في باب الأسماء والصفات ،وخالفوا أيضا مذهب السلف الصالح في هذا الباب. وتتمثل أخطاؤهم في :

-خوضهم فيما نهوا عنه ،فقد أمر الله تعالى بالتفكر في خلقه ولم يأمر بالتفكر في ذاته سبحانه وتعالى والبحث فيها وعن كيفية صفاته.

-توهمهم للتشبيه، وذلك بقياس الخالق بالمخلوق والأصل العمل بقوله تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ الشورى:11

-ومن مظاهر انحرافهم التأويل، التعطيل (النفي)، التفويض (نفي بعض الصفات، نفي كل الصفات، نفي الأسماء.). المشبِّه يعبد صنما، والمعطِّل يعبد عدما، والله ليس كذلك، وما خطر على بالك فالله على خلاف ذلك.

-توحيد الأسماء والصفات: "معناه الإيمان بما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تحريف ألفاظها أو معانيها ولا تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز وجل، ولا تكييفها بتحديد كنهها وإثبات كيفية معينة لها ولا تشبيهها بصفات المخلوقين". محمد نعيم ياسين،الإيمان أركانه حقيقته ،نواقضه،ص27.

الدرس رقم 07

ثانيا - النبوات

 : 1- وجه الحاجة إلى النبوة وطبيعتها. 2-ماهية الوحي  . 3-عقيدة ختم النبوة [ محمد صلى الله عليه وسلم ] .

1 - وجه الحاجة إلى النبوة وطبيعتها:

هل البشرية بحاجة إلى النبوة  ؟ هذا السؤال محل خلاف بين صنفين:صنف يؤمن بحاجة الناس إلى النبوة وصنف ثاني لايؤمن بحاجة الناس إلى النبوة .والمقصود بذلك  الأنبياء والرسل الذين هم الواسطة بين الله والعباد . ويوجد إنكار خاص لختم النبوة وهي نبوة  محمد صلى الله عليه وسلم  من قبل أهل  الكتاب اليهود والنصارى .

الصنف الأول -المنكرون لجنس النبوة :  البراهمة وهم قبيلة في الهند و الصبائة و هم عباد النجوم و الكواكب . هذا بالنسبة للقدماء أما في الحياة المعاصرة فهناك من ينكر النبوة ومنهم الملحدون ينكرون وجود الله فينكرون النبوة أو الأنبياء ومنهم العقلانيون  الذين يكتفون بالعقل ولايرون مصدرا آخر للمعرفة و لا يؤمنون بالوحي.

ومنهم الماديون الحسيون الذين لا يؤمنون بعالم الغيب  ، وأما المنكرون للنبوة  الخاصة وهي ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الحياة المعاصرة فهم المستشرقون.

الصنف الثاني -المقرون بجنس النبوة :الذين يقولون بحاجة الناس إلى النبوة والرسالة ،وهم المؤمنون بالكتب السماوية سواء أ كانوا مسلمين أو يهودا أو نصارى .

ما أوجه الحاجة إلى النبوة والرسالة ؟

النبوة والرسالة هي واسطة وسفارة يقوم بها بعض الرجال -اصطفاء من الله- بين الله وعباده ، ويمكن إبراز الحاجة إلى النبوة في النقاط الآ تية :

1- يمكن للإنسان من خلال سلامة الفطرة وصحة العقل والتدبر في الكون أن يعترف بوجود إله ويقر بصفات  عظمته وكماله ،ولكن هنا يتوقف دور العقل والفطرة ولايعرف على وجه الصحة ماهي صفات هذا الإله ولا يعرف ماهي علاقة هذا الإله بالإنسان والكون الذي  خلقه .

2-ولا يعرف هذا الإنسان  أيضا كيف يعبد الله وكيف يوحده ولا ما يجب له سبحانه وتعالى من حقوق  على العباد ولا كيفية الصلاة و لا غيرها.

3- وتظهر الحاجة أيضاً في أن المجتمعات منذ وجدت  تضع القوانين  وتسن الشرائع ، وتحدد القيم  الأخلاقية لتحقيق المنافع للناس و دفع المضار عنهم ،و الفصل في خصوماتهم ،وتحسين مستوى معيشتهم وتثقيفهم .ولكن البشرية في كل العصور لم تصل إلى سعادة دنيوية ولا إلى كمال اجتماعي.

 4-اختلف العلماء والفلاسفة والسياسيون في المشروع الأفضل للإنسانية .إذن البشرية بحاجة إلى منهج  في الحياة يحدد لها مصالحها الدنيوية وكيفية تجنب المضار و المفاسد وهذا ما يسمى الشريعة التي  أتى بها الأنبياء والرسل من عند الله تعالى .  

5-يجتهد الناس في فعل الخير وفي فعل الشر ولكنهم يختلفون في معرفته وتقديره وهنا تظهر الحاجة إلى الشريعة التي تبين للناس الخير والشر والحسن والقبيح [ الأوامر والنواهي ]  .   

6-يطلب الناس الجزاء على أعمالهم ويتساءلون عن مصيرهم كيف يكون للمحسن وكيف يكون للظالم وكيف يقتص منه أي كيف تتحقق العدالة ؟وهنا تظهر الحاجة إلى معرفة اليوم  الآخر ومافيه من جزاء [الثواب والعقاب ]وأحوال اليوم  الآخر وما يتعلق به من  حقيقة الموت والحياة البرزخية وأشراط الساعة والجنة والنار، و هي من عالم  الغيب الذي لا يمكن أن يعرف إلا عن طريق النبي والرسول . 

الخلاصة: دليل المنكرين للنبوة هو اعتمادهم على العقل والرد : هو بيان محدودية العقل وقصوره وخطئه وبيان عجز العقل عن إدراك عالم الغيب . وإذن فالأدلة تثبت الحاجة إلى النبوة  والرسالة .

-الحكمة من بعثة الأنبياء والرسل  :

 لماذا بعث الله الأنبياء والرسل ؟ اقتضت حكمة الله تعالى وعنايته أن يبعث الأنبياء والرسل وينزل عليهم الكتب وذلك لأمور عظيمة ومنها :

 1-أن الله خلق الخلق لعبادته وحده لاشريك له قوله عزوجل :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾الذريات :56 ولا يستطيع الناس أن يعبدوا ربهم إلا عن طريق الرسل  .

2-أن قيام الدين الله في الأرض لا يتم إلا بواسطة الأنبياء  وماجاؤوا به من أحكام وشرائع تصلح وتنظم حياة الناس لقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾النحل  :36﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ آل عمران: 164

3- إقامة الحجة على البشر لايكون إلا عن طريق الأنبياء والرسل لقوله تعالى : ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا  الإسراء : 165وقوله أيضا : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ﴾  طه: 134

4-أن الناس بحاجة إلى قدوة حسنة تصف بالكمال البشري ولايكون هذا إلابالرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله واجتنابهم لقوله تعالى : ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  الأحزاب :21 ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾الممتحنة :6

الاستنتاج :نستنتج أن النبوة والرسالة هي ضرب من الخير والسعادة والكمال ونعمة عظيمة امتن الله بها على عباده .

-طبيعة النبوة : هل النّبوة ممكنة أم مستحيلة؟

 النبوة ممكنة والدليل وقوعها فعلا على مدى تاريخ البشرية  فقد تواترت الأخبار بنبوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب و يوسف وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد ينكر ذلك .

-تعريف النبوة والرسالة

تعريف النبوة : النبوة  في لغة العرب مشتقة من النبأ وهو الخبر، قال تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم ﴾ النبأ: 1-2.
وإنّما سمّي النبي نبيّاً لأنه مُخْبرٌ مُخْبَر، فهو مُخْبَر، أي: أنَّ الله أخبره، وأوحى إليه ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ التحريم: 3، وهو مُخْبرٌ عن الله تعالى أمره ووحيه ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الحجر: 49 ﴿وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الحجر: 51.
وقيل: النبوة مشتقة من النَّبْوَة، وهي ما ارتفع من الأرض، وتطلق العرب لفظ النبي على علم من أعلام الأرض التي يهتدى بها، والمناسبة بين لفظ النبي والمعنى اللغوي، أنَّ النبي ذو رفعة وقدر عظيم في الدنيا والآخرة، فالأنبياء هم أشرف الخلق، وهم الأعلام التي يهتدي بها الناس فتصلح دنياهم وأخراهم.

تعريف النبوة في الاصطلاح: النبوة هي إعلام الله تعالى من اجتبى من عباده لرفعته والإعلاء من شأنه بالوحي الذي أراده له، أو له و لغيره.(أو بكر جابر الجزائري عقيدة المؤمن ،ص269).و معناها وصول خبر من الله بطريق الوحي إلى من اختاره من عباده لتلقي ذلك ، فالكلمة تفسير للعلاقة التي بين النبي و الخالق جل جلاله  و هي علاقة الوحي و الإنباء .(كبرى اليقينيات الكونية ص 183).

تعريف الرسالة

الرسالة لغة :من الإرسال والإرسال في اللغة التوجيه، فإذا بعثت شخصاً في مهمة فهو رسولك، قال تعالى حاكياً قول ملكة سبأ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ النمل: 35 . وقد يريدون بالرسول ذلك الشخص الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذاً من قول العرب: (جاءت الإبلُ رَسَلاً) أي: متتابعة.

وعلى ذلك فالرُّسل إنّما سمّوا بذلك لأنَّهم وُجّهوا من قبل الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾ [المؤمنون: 44]، وهم مبعوثون برسالة معينة مُكلَّفون بحملها وتبليغها ومتابعتها. قال تعالى﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل: 36]، وقال تعالى﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44]؛ أي: بعثناهم يتبع بعضهم بعضًا.

تعريف الرسالة في الاصطلاح:هي تكليف الله أحد عباده بإبلاغ الآخرين بشرع أو حكم معين . فالكلمة هي تفسير للعلاقة التي بين النبي و سائر الناس وهي علاقة البعث والإرسال .(كبرى اليقينيات الكونية،ص 183 ).

-تعريف النبي والرسول : ذكر من بني آدم ، أوحى الله تعالى إليه بأمر ، فإن أمر بتبليغه إلى الناس فهو نبي و رسول ،و أن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي غير رسول ... وعليه فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا  .(أو بكر جابر الجزائري عقيدة المؤمن ص269). هذا قول جمهور أهل العلم وعامة أهل السنَّة ؛ لأن الرسولَ والنبي قد اشتركا في أمر عام هو النبأ، وافترقا في أمر خاص وهي الرسالة.

ويدلّ على الفرق بينهما ما ورد في كتاب الله من عطف النبي على الرسول﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ ﴾ [الحج: 52]، ووصف بعض رسله بالنبوة والرسالة مما يدُل على أن الرسالة أمر زائد على النبوة، كقوله في حقِّ موسى عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً ﴾ [مريم: 51].

 -شروط النبوة والرسالة :هناك صفاتٌ واجبةٌ أن تكون في الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام  وهي :
الذكورة : الأنبياء والرسل من البشر لقوله تعالى : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾  الكهف :110. وقد اعترض الأقوام على أنبيائهم ورسلهم بأنهم بشر لاستكثارهم أن يكون النبي بشرا كاملا يتصل الله ويتلقى عنه الوحي و يقتدى به ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا ﴾ هود :27 ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ﴾ المؤمنون : 34ولو كان النبي ملكا لتعذر الاقتداء به لاختلاف الجنسين  ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ الأنعام : 9 .وكلّ الأنبياء المذكورين في القرآن والسنّة من الرجال، ولم يُعرف وجود نبيّةٍ من النساء.﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل :43  .

الصدق : وهو قول الحقيقة فيما يبلّغونه عن الله تعالى، وفي جميع أقوالهم العادية؛ ومردّ ذلك إلى أنهم أفضل الخلق وأحسنهم، وأنهم لو كانوا متصفين بالكذب لما صدّقهم الناس؛ فمقصود النبوّة هو الإخبار عن الله، فإن كان المُخبر مطعوناً في صدقه، غير موثوقٍ في كلامه، لصعد الطعن تراتبيّاً إلى ما يخبر به، وإلى الرسالة التي أتى بها، والقيم التي يدعو إليها .

العصمة والصفات الحميدة: وهي أن يكونوا معصومين من الزلل في التبليغ عن الله تعالى من جهة، ومحفوظين من مقارفة الكبائر والمهلكات من جهةٍ ثانية، وذلك بحفظ ظواهرهم وبواطنهم من الأهواء، فهم الأسوة الحسنة للمؤمنين، الملتزمين بالدين وأخلاقه، فعن قتادة – رضي الله عنه – قال : " سألتُ عائشة عن خلق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقالت : كان خُلقه القرآن " رواه مسلم .

قال القاضي عياض : " وكان – صلى الله عليه وسلم – مجبولاً على هذه الصفات في أصل خلقته، وأوّل فطرته. لم تحصل له باكتسابٍ ولا رياضةٍ، إلا بجودٍ إلهيٍّ وخصوصيّةٍ ربّانيةٍ، وكذا لسائر الأنبياء." كتاب الشفا للقاضي عياض، المجلد الأول، ص: 72. 

التّبليغ و الأمانة : وهو توصيل جميع ما أمرهم الله تعالى بتبليغه إليهم، ويستحيل في حقّهم كتمانُ شيءٌ عن الخلق، حتى لو كان في الوحي ما هو مخالفٌ لعاداتِ القوم، أو ما يجرّ عليه انتقاد الفطر المطموسة، والعقول المنحرفة .

الفطنة : وهي ذكاء العقل وسرعة الإدراك وقوّة البديهة والحجة، فالرّسل أرسلوا ليحاججوا الناس ولإرشادهم إلى الطريق المستقيم، وذلك لا يقع إلا من خلال حواراتٍ ومناظراتٍ لإبطال الباطل وبيان عواره للناس، وإقامة الحجّة على الكفار .

الدرس رقم :08

2- ماهية الوحي: تتمثل أهمية دراسة ظاهرة الوحي في اعتبارها أساس النبوة ؛ فعلاقة الوحي بالنبوة هي علاقة إثبات.

تعريف الوحي في اللغة : الوحي هو الإعلام السريع الخفي . وفي القاموس المحيط: الوحي: الإشارة والكتابة والمكتوب والرسالة، والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته لغيرك . وهو بهذا المعنى لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه.والوحي بمعناه اللغوي يتناول :
1 -الإلهام الفطري للإنسان :كالوحي إلى أم موسى . قال تعالى : ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ القصص : 7 .
2 -الإلهام الغريزي للحيوان : كالوحي إلى النحل . قال تعالى : ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾النحل : 68 .
3 - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء : كإيحاء زكريا لقومه . قال تعالى ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ مريم : 11 .
4  -وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه . قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾الأنعام : 121 .
5  -ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه . قال تعالى : ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾الأنفال : 12 .
-تعريف الوحي في الشرع : فيطلق ويراد به المعنى المصدري، ويطلق ويراد به المعنى الحاصل بالمصدر، ويطلق ويراد به: الموحى به. ويعرف من الجهة الأولى: بأنه هو" إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة، فهو أخص من المعنى اللغوي لخصوص مصدره ومورده؛ فقد خص المصدر بالله سبحانه، وخصّ المورد بالأنبياء " . ويعرف من الجهة الثانية: بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله، سواء أكان الوحي بواسطة أم بغير واسطة.ويعرف من الجهة الثالثة: بأنه ما أنزله الله على أنبيائه، وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم، ومنهم من أعطاه كتابا، ومنهم من لم يعطه.

أقسام الوحي الشرعي وكيفياته: لتلقي الوحي من الله تعالى طرق بينها الله تعالى في سورة الشورى : ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾الشورى : 51 . فأخبر الله تعالى أن تكليمه ووحيه للبشر يقع على ثلاث مراتب : إذ المراد بالوحي في الآية: الإلهام و رؤيا المنام، لمقابلته للقسمين الآخرين: التكليم من وراء حجاب أو بواسطة رسول. 
المرتبة الأولى - الإلهام أو القذف في القلب:هو الوحي المجرد ودليله قوله تعالى : ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾ الشورى : 51 . ومثال ذلك ما جاء في حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وابن ماجه في سننه وغيرهم .عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :.« إنَّ روحَ القدُسِ نفثَ في رَوعي أنَّهُ لَن تموتَ نفسٌ حتَّى تستَكمِلَ رزقَها فاتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ  » .

وألحق بعض أهل العلم بهذا القسم رؤى الأنبياء في المنام كرؤيا إبراهيم عليه السلام على ما أخبر الله عنه في قوله : ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ الصافات : 102 . 
وكرؤى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة على ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" متفق عليه. ورؤية نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه في منامه أنهم سيدخلون البلد الحرام وقد كان.

المرتبة الثانية - التكليم من وراء حجاب بلا واسطة كما ثبت ذلك لبعض الرسل والأنبياء ،كتكليم الله تعالى لموسى على ما أخبر الله به في أكثر من موضع من كتابه . قال تعالى : ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ النساء : 164 . وقال : ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾الأعراف : 143 . وكتكليم الله لآدم . قال تعالى : ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾البقَرة : 37 . وكتكليم الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على ما هو ثابت في السنة . ودليل هذه المرتبة من الآية قوله تعالى : ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾الشورى : 51 .
المرتبة الثالثة : الوحي بواسطة الملك . و يعرف بـالوحي الجلي. ودليله قوله تعالى : ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾  الشورى : 51 . وهذا كنزول جبريل عليه السلام بالوحي من الله على الأنبياء والرسل .
والقرآن كله نزل بهذه الطريقة تكلم الله به ، وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل ، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ و ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ الشعراء : 192- 194 . وقال تعالى : ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ النحل : 102

ولجبريل عليه السلام في تبليغه الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحوال :
أ- أن يأتي جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين :رآه مرة بالأفق من ناحية المشرق وفي ذلك يقول الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ التكوير : 23 . ورآه مرة ثانية ليلة الإسراء في السماء وهذا ما أخبر الله عنه بقوله : ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ النجم : 13- 15 .وقد ورد عن السيدة عائشة: أن النبي لم ير جبريل على هذه الحالة إلّا مرتين: مرة في الأرض، وهو نازل من غار حراء ومرة أخرى في السماء، عند سدرة المنتهى ليلة المعراج، رواه أحمد. 
ب- أن يأتي جبريل في صورة رجل كدحية الكلبي، أو أعرابي ، ويراه الحاضرون ويسمعون قوله، ولا يعرفون هويته، ولكن النبي يعلم علم اليقين: أنه جبريل، وذلك كما في حديث جبريل الطويل في الصحيحين وحديث أم سلمة، ورؤيتها رجلا على صورة دحية الكلبيّ، فظنته هو، حتى بيّن النبي لها أنه جبريل.
ج- أن يأتي على صورته الملكية، وفي هذه الحالة لا يرى، ولكن يصحب مجيئه صوت كصلصلة الجرس، أو دوي كدوي النحل. وقد دلّ على هاتين الحالتين( ب و ج) حديث سؤال الحارث بن هشام النبي صلى الله عليه وسلم: عن كيفية مجيء الوحي إليه فقال : (( يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال . وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول .)) ومعنى فصم : أي أقلع وانكشف. وهو في صحيح البخاري :كتاب بدء الوحي باب بدء الوحي ص3.

والوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقيني ضروري من الموحى إليه بأن ما ألقي إليه حق من عند الله ليس من خطرات النفس ولا نزعات الشيطان، وهذا العلم اليقيني لا يحتاج إلى مقدمات، وإنما هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية، كالجوع والعطش والحب والبغض.
الاستنتاج:يتضح من هذه الأنواع أن الوحي طرأ على النبي دون أن يتوقعه أو يتطلع إليه. فالنبوة منحة إلهية، قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا﴾  مريم: 58 ، وحكى الله قول يعقوب لابنه يوسف: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ﴾  يوسف: 6 ، وقال الله لموسى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ الأعراف: 144.

الدرس رقم 09
ختم النبوة : إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

-موقف المشركين  المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقين من الوحي

شبهات المشركين:

-منهم من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم افترى القرآن من عند نفسه كذبا على الله تعالى : ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ الشورى:24. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾  الفرقان :04.

-ومنهم من زعم أن القرآن أساطير الأولين: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾  الفرقان: 5. ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ الأنفال: 31﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾النمل : 68

ومنهم من اتهمه بالسحرو الشعر والشعوذة والجنون والكهانة : ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾  الحجر: 06 ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾  الدخان :14. ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ﴾المؤمنون : 25 ﴿فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ الذاريات :39 ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ الشعراء :27. ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ  الأنعام :07.

-ومنهم من يقول إنما يعلمه بشر: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ   النحل 103. ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ الفرقان :05. أكاذيبهم: جمع أسطورة بالضم «اكتتبها» انتسخها «فهي تملى» تقرأ «عليه» ليحفظها. تفسير الجلالين.

شبهات المستشرقين :المستشرقون هم الباحثون المنشغلون بالدراسات الشرقية والإسلامية العربية خاصة .

شبهاتهم تعود في حقيقتها إلى شبهات المشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن صاغوها في ألفاظ جديدة وزادوا عليها شبهات أخرى تعبر عن مذاهبهم وانتماءاتهم، يمكن أن نذكر آراءهم حول الوحي كما يلي :1-الوحي حالة نفسية .2-الوحي حالة مرضية.3-القرآن أساطير الأولين.4-أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودية والنصراية.

الرد على شبهات المشركين :

- التحدي بالقرآن والإعجاز به : ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  البقرة :23. ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ الإسراء :88﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ يونس:38. ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ هود :13.

-النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب : ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  العنكبوت :48. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾الأعراف :158﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ   يونس : 15-16.

 - نفي الأخذ عن اليهود والنصارى : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ   النحل :103. 

-نفي الافتراء والكذب: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ ﴾ هود:  35 ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ السجدة: 3 . ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الأحقاف :8

- نفي السحر والشعر والجنون والكهانة : ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  الطور: 29/31. ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ﴾  الحاقة :41-42. ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ التكوير : 22وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون فيتكلم عن جنة، ويهذي هذيان المجانين بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ .تفسير الطبري . ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ المؤمنون : 70

الرد بالسنة أو من السيرة النبوية :الأسئلة التي طرحها هرقل ملك الروم على أبي سفيان ؛ عن نسبه صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه، وعما يدعو إليه، وعن أشياء أخرى [القصة].قال هرقل :" وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا. فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله".وعُرف في مجتمعه أنه الصادق الأمين.

-اتفاق صناديد قريش في اجتماعهم ومناقشتهم على الأوصاف التي يتهمونه بها صلى الله عليه وسلم فأنكر الوليد بن المغيرة أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم كذابا.

-حديث عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق. 

الرد على شبهات المستشرقين:

- شبهة الوحي النفسي: زعم المنكرون أن الوحي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم من داخل نفسه فهو أمر ذاتي من خياله وعقله المتوقد ذكاء؛ ومعنى ذلك أن هناك أفكار مُدَّخرة في عقل النبي الباطني وأنها تظهر في صورة رؤى ثم تقوى فيخيل إليه أنها حقائق خارجية.

الرد : -فهل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عقيدة وشريعة وما تضمنه من قصص وتوجيهات أخلاقية كان  مٌدَّخرا مركوزا في نفسه؟ فالعقل يرفض هذا بداهة.

-اشتمل الوحي على أسرار الكون والأنفس التي لا تخطر على بال بشر وما عرف العلماء تأويلها إلا بعد تقدم العلوم ، فكيف تكون هذه الأسرار والمعارف العلمية من نفسه صلى الله عليه وسلم؟

-أكد الله تعالى أن الوحي من عنده هو سبحانه وتعالى وهذا يدل على أن الوحي أمر خارج عن نفس النبي صلى الله عيه وسلم.قال تعالى : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ  عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ  الشعراء : 192/195.

-لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يطمع في الحصول على النبوة ولا كان يفكر فيها أو ينتظرها، إذن فلا كسب للنبي في نبوته فهي نعمة من الله تعالى عليه واصطفاء واجتباء: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الشورى : 52 ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ﴾ الرعد: 38.

شبهة الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية:اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مريض بالصرع وأن ما يعتريه أثناء نزول الوحي هو نوبات صرع.

-يثبت الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أصح الناس بدنا وأكملهم عقلا وأقواهم جسما وأشدهم فطنة وأصدقهم قولا وأحكمهم فعلا، وأوصافه التي تدل على ذلك تناولها الرواة الثقاة، وقد بلغ عن قوته صلى الله عليه وسلم أنه صارع رُكانة بن عبد يزيد وكان هذا الرجل مصارعا ماهرا لم يقدر أحد أن يغلبه، فلما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام قال له :"صارعني فإن أنت غلبتني آمنت أنك رسول الله". فتصارعا فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-هناك فرق بين نوبات الصرع وبين أعراض الوحي وصوره وأشكاله، فالمريض بالصرع يصاب بآلام حادة في كافة أعضاء جسمه إذا أفاق من نوبته، ولكن الأمربخلاف ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وعرفنا ذلك من خلال أشكال الوحي التي تطرقنا إليها في الدرس، وخلال الوحي و بعده يكون النبي في حالة وعي تام ، فيكون هو الذي يخبر أصحابه بما أوحي إليه.

-وقد رد القرآن هذه الشبهة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ الذاريات 53/54. وقد تحدى النبي صلى الله عليه وسلم المشركين الذين عاصروه وخبروا حاله أن يثبتوا عليه جنونا أو اختلال عقل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ سبأ: 46، وكلمة صاحبكم تؤكد أن حاله صلى الله عليه وسلم معروف عندهم بقوة العقل ورزانته وسداد قوله وفعله.

- شبهة الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية:زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتبس الوحي من تعاليم دينية أُخذت من اليهودية والنصرانية عن طريق  ورقة بن نوفل وبحيرا الراهب النسطوري.

-اللقاء تم بعد نزول الوحي (الآيات الأولى من سورة العلق)؛ فورقة بن نوفل بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه.لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ورقة بن نوفل بعد ذلك وتلقى منه أو تعلم منه؛ ثم إن ورقة مات مباشرة بعد هذه الحادثة. 

-أما لقاؤه ببحيرا الراهب فقد كان في صغره مرة واحدة حين سافر مع عمه إلى الشام و لا يمكن أن يكون تلقى القرآن عنه .

الزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى من أهل الكتاب زعم باطل؛ فالقرآن الكريم يصف اليهود والنصارى بما هم عليه من فساد في الدين ما ينفي تماما أن يكونوا هم مصدر الوحي . قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ التوبة: 30.

الدرس رقم 10

3- عقيدة ختم النبوة : فإن الله تعالى اختار محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة الأخيرة، والنبوة المنتهية به، فلن يأتي بعده أحد يأتيه جبريل عليه السلام برسالة، أو ينزل عليه كتاب، أو يوحى إليه لشيء يقظة أو مناما، ومن ادعى شيئا من ذلك فقد افترى عليه الكذب، ولن يطالب على دعواه بدليل، بل يعامل معاملة الدجَّالين الأفَّاكين.

 مفهوم الختم في الشرع :ويعني انتهاء ﺇنباء الله الناس، وانقطاع وحي السماء.

ورد ذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء و المرسلين و أنه لا نبي بعده في قوله تعالى: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الأحزاب: 40. 

ومن دلائل ختم النبوة :

عموم الرسالة المحمدية للنبي صلي الله عليه وسلم:قال الله تعالي:  ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ الأعراف: 158، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.  سبأ 28، وقوله تعالى : "﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾الأنبياء:107

إخبار القرآن الكريم بكمال الدين:قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ المائدة 3. وكمل الدين بنبوته التي لا نبوة بعدها.

تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم قال الله تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ . الحجر: 9، ولم يحفظه إلا ليكون حجة على خلقه.فكتابه ناسخ للكتب كلها، و سنته قاضية على السنن كلها، أي إن رسالته مهيمنة على الرسالات، وإن نبوته حجة على النبوات، لا بالعكس، فلن يهتدي الناس بعد بعثته إلا إذا آمنوا به، قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ آل عمران 85. وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  الأعراف: 157. وفي الحديث الصحيح(( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)).

أمر الله تعالى بالإيمان بالقرآن الكريم والكتب المنزّلة قبله قال الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ البقرة 4، ولم يأت في القرآن قط ذكر الإيمان بما ينزل بعده.

أحاديث ختم النبوة في السنة المطهرة

-أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال(( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)).

- وفي الصحيحين: قال النبي صلى الله عليه وسلم(( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)).

-وفي صحيح مسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس ليس بعده نبي)). وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).

- وفي الصحيحين عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي)).


-جامعة آكلي محند أولحاج-

-البويرة-

-كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية-

-قسم الشريعة -

مطبوعة العقيدة الإسلامية

سنة ثانية أصول الدين

الدكتورة أنيسة زغدود

 

 

السنة الجامعية: 2023/2024م الموافق لـ 1444/1445ه

 

 

 

 

 

 

 

 

مفردات المقياس :

أولا-الإلاهيات .ثانيا - النبوات .

أولا : الإلاهيات : - الإلاهيات في الوحي و الفلسفة و علم الكلام :1-وجود الله .2- الأسماء و الصفات .

ثانيا : النبوات :1- وجه الحاجة إلى النبوة و طبيعتها.2-ماهية الوحي .3- عقيدة ختم النبوة .

الدرس رقم 01

أولا-الإلاهيات

قسم علماء  الكلام مباحث العقيدة  إلى ثلاثة أقسام :-1-الإلاهيات .2-النبوات .3-السمعيات .

1-الإلهيات : وتتناول ما يتعلق بوجود الله تعالى وما يجب في حقه عز وجل من الصفات و ما يجوز وما يستحيل مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

2-النبوات:وتتناول كل ما يتعلق بالنبوة والرسالة من حيث جوازها و الصفات الواجبة في حق الرسل والجائزة و المستحيلة مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

3-السمعيات:وتتناول العقائد الدينية التي مصدرها السمع فقط (الوحي والسنّة) مثل عذاب القبر ونعيمه و الحياة البرزخية واليوم الآخر مما يجب على كل مكلف مؤمن اعتقاده.

1 - الإلاهيات في الوحي و الفلسفة و علم الكلام

الموضوع الأول - وجود الله تعالى:

ما هي أدلّة القرآن و المتكلّمين والفلاسفة المسلمين على إثبات وجود الله تعالى ووحدانيّته؟

أولا -أدلّة الوحي في إثبات وجود الله ووحدانيته:

يمكن أن نذكر أدلّة القرآن الكريم في إثبات وجود الله تعالى ووحدانيّته كمايلي: 1-دلالة الخلق والإبداع .2-دلالة العناية. 3-دلالة الفطرة.

1 - أدلة الخلق والإبداع: و تسمى أدلة الاختراع ، و الدلائل الكونية.

ومعناها أن وجود المَوْجودات وحدوثها بعد أن لم تكن يدل على وجود من أوجدها وخلقها.  فتفرد  الله بالخلق من العدم والإبداع على غير مثال سابق من أخص أوصاف ربوبيته ، واستدلّ به لإثبات وجود الله ووحدانيته واستحقاقه للعبادة.

-يثير القرآن الكريم قضية الخلق بصورة عامة لينبه الإنسان للتفكر في وجود الخالق ووحدانيته، قال الله تعالى :﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ الرعد :16.

-وتوجد آيات كثيرة تتحدث عن مجالات الخلق لإثارة العقل إلى التساؤل :من خلقها ومن صورها على هذا الشكل قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا  لقمان: 10 قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ فاطر: 27 .

-كما نجد في القرآن آيات تخصص مجالا واحدا وتفصل فيه تفصيلا دقيقا قال تعالى : ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ فصلت :9 – 12

  وقد فهم أعرابيّ يعيش في البادية هذا الدليل حين سُئل بما عرفت ربّك؟ فقال : " البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض فِجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السّميع البصير؟".

2 - أدلة العناية : والمقصود بها ما يلاحظه الإنسان من النظام والإتقان والتقدير في هذا العالم، فالسماوات وأفلاكها والأرض ومحتويـاتها، خلقت بـالحق، وبه حفظت، قـال تعالى: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقّ﴾ الأحقاف : 3 وقال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾الفرقان : 2 . فهو قيوم السماوات والأرضين، فلا قيام لهما ولا استقرار إلا به سبحانه وتعالى  كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ فاطر :41. ونستنتج من هذا أنه لا يوجد صدفة في الكون وكل شي فيه خلق طبقا لغرض معين وبتوازن بديع وبتناسق وترتيب عجيب.

وإذا تأمل الإنسان بفكره في جزئيات هذا العالم المسخر لمصالحه والتي عليها استقرار حياته، كفاه ذلك دليلاً واضحا وحجة بينة على أن هذا العالم مخلوق لخالق حكيم قدير عليم ،قد قدر هذا العالم فأحسن تقديره، ونظمه فأتقن تنظيمه. قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ النمل :88. يقول تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ القصص : 73.

 و من عناية الله بالإنسان حسن خلقه و هدايته و أنواع النعم و الطيبات قال تعالى:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ  التين 4، وقال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا الإنسان :3 ، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ  النحل :72. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ  النحل: 66 .

3 -أدلة الفطرة : الفطرة لغة : هي الخِلقة التي يكون عليها الإنسان في أول أمره.

أما الدليل الفطري على وجود الله فيعني: أن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ولهذا تسمى أدلة الفطرة الأدلة الوجدانية. و من الأدلة على ذلك مايلي :

ا-آية العهد و الميثاق :  قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف : 172.

ب- آية سورة الروم : قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ الروم: 30.

و من السنة :    ا- ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)). البخاري (1359)، مسلم بنحوه (2658). 

ب-عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم)) رواه مسلم (2865). 

وأبرز دلالات الفطرة ثلاثة:

ا- حالة الاضطرار:في حالة انقطاع الأسباب ووقوع الإنسان في شدة تصفو الفطرة ويلجأ الإنسان داعيا ضارعا إل ربه أن يكشف غمّته، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ  الروم: 33، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ  يونس: 22 .

ومن سنن الله الاستجابة لمن دعاه مضطرا بغضِ النظر عن سابق حاله، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ النمل :62.

ب- تطلع الفطرة إلى الكمال : من صفات الإنسان الميل إلى الكمال والسعي إليه والهروب من النقص. وبحكم قانون التضاد فإن هذا القول يؤدي إلى الاعتراف بوجود مدبر كامل ، فكما أن لكل شيء ضدا فالنور والظلام والعدل والظلم والعدم والحدوث ،كذلك العلم المحدود يقابله العلم غير المحدود والقدرة الناقصة تقابلها القدرة الكاملة، وإذن فنقص الآدمي وعجزه وسعيه لبلوغ أمانيه يبرهن أن في الغيب قدرة قاهرة وكمالا باهراً تنتهي إليه الأماني.

ج - الأشواق الروحية : خلق الله تعالى الإنسان من مادة وروح ولكل منهما حاجاته التي ينبغي أن تشبع فلابد من إشباع الجانب الروحي بدعاء الله وذكره والخوف منه والرجاء فيه ومحبته والطمع فيه والتوكل عليه والتسليم له .أي عبادته بالقلب واللسان والجوارح في كل حال. ومن نتائج هذا الإشباع الشعور بالقرب من الله والاطمئنان ، قال تعالى : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد :28، والذي لا يشبع هذا الجانب بالإيمان بالله وعبادته يشعر بالقلق والكآبة والفراغ الروحي.

الدرس رقم:02

ثانيا - طريقة المتكلمين  في إثبات وجود الله ووحدانيته :  

دليل الحدوث: هذا العالَمُ بجميع أجزائه حادِثٌ ( يعني وُجِدَ بعدَ عَدَمِهِ) وَ كُلُّ حادِثٍ لا بُدَّ لَهُ من مُحدِثٍ (يعني مَنْ يُوجِدُهُ) إذَن فهذا العالَمُ لا بُدَّ لَهُ من مُحدِثٍ.

  يذهب جمهور المتكلمين إلى إثبات وجود الله تعالى، عن طريق حدوث العالم، ذلك أن الحدوث عندهم هو العلة المحوجة إلى المؤثر، فإذا ثبت أن العالم حادث فلا بد له من محدث، يبرزه من حيز العدم إلى حيز الوجود، وهذه قضية بدهية ، فمن رأى بيتاً مبنياً منسقاً علم أنْ له بانياً ضرورة.

يرى المتكلمون أنه لا بد من إثبات حدوث العالم قبل إثبات وجود الله تعالى، ولهم في إثبات حدوث العالم أصول يقرونها.يقول المتكلمون: العالم جواهر وأعراض وقد يستدل على إ ثبات الصانع بكل واحد منهما إما بحدوثه أو بإمكانه . و الأعراض  بعضها  حادث بالمشاهدة كالضوء بعد الظلمة ،والوجود بعد العدم ، والحركة بعد السكون .وبعضها بالدليل. وهذه الأعراض تقوم بالجواهر فدل حدوثها على حدوث الجواهر. فهذه المصطلحات يصعب فهمها على الإنسان  فما الجواهر ؟ وما العرض ؟ و ما الجوهر الفرد؟

واختلفوا في تحديد مفاهيم هذه المصطلحات فكان المستدل على وجود الله تعالى بحدوث العالم يحتاج إلى ما يلي :1-إثبات ا لجواهر الفردة .2- إثبات حدوثها .3-الاستدلال بعد ذلك على أنها محدثة .

فهذه الطريقة للمتكلمين في إثبات وجود الله تعالى شاقة صعبة المنال حتى على المتخصصين بالإضافة إلى الاعتراضات الموجهة إليها ثم بطلان نظرية الجوهر الفرد علمياً الآن فالجوهر الفرد عندهم هو الجزء الذي لا يتجزء وقد أثبت العلم الحديث تجزأه فدل على بطلان  النظرية .ودليلي الاختراع والعناية من الأدلة التي قررها المتكلمون في أصول الدين ، كابن رشد الحفيد ، رحمه الله .

-و من البراهين العقلية التي أخذها المتكلمون من القرآن الكريم برهان الخلق .نجد ذلك في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ  الطور 35-36.

فالاحتمالات العقلية في الآيتين ثلاثة وهي :

أ - (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ): هذه المخلوقات كانت عدما والعدم لا يوجد شيئا ، إذن الاحتمال الأول باطل.

ب-(أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) :  أنهـم خلقـوا أنفسهـم ، وهذا أشد امتناعاً في العقل، لأن المخلوق لا يخلق نفسه. 

جـ-( أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ):و لا أحد خلق السماوات و الأرض من الناس أو ادعى ذلك .و المخلوق لا يخلق غيره .

فلم يبق إلا أن لهم خالقاً خلقهم، وهذا يسلم به العقل وهو الحق . فالخالق أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن ، والخالق هو واجب الوجوب لذاته فهو الأول والآخر لذاته ، والمخلوقات لها بداية ونهاية ، وتستمد وجودها من الخالق.

وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ فَبَلَغَ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35 - 37]، وَكَانَ جُبَيْرٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا، قَالَ: "كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَذَلِكَ أَوْلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي". أخرجه البخاري (4023، 4854).

-و من البراهين العقلية التي أخذها المتكلمون من القرآن الكريم : ( دليل التمانع ) و معناه: أن وجود النظام في الكون يدل على أن الإرادة المتحكمة فيه إرادة واحدة لا تقبل التعدد .ولو افترضنا وجود إرادة ثانية تتصرف في الكون لأدّى عند تعارض الإرادتين في شأن الخلق و وضع النظام إلى الاحتمالات الآتية :

1- أن تنفذ الإرادتان وهو مستحيل لأنه جمع بين النقيضين.

 2- أن تتعطل الإرادتان معا، وهذا عجز يتنزه عنه مقام الألوهية.

3 - أن تنفذ إحدى الإرادتين فتكون النتيجة العقلية أنه لابد أن يكون الإله واحدا ، قال تعالى : ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الأنبياء :21 ـــ 22.

ويؤيد هذه الآية قوله تعالى : ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ المؤمنون:91 ويؤيده قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً الإسراء :42.

 ثالثاً - طريقة الفلاسفة المسلمين في إثبات وجود الله تعالى :

دليل الإمكان:لم يسلك  هؤلاء مسلك المتكلمين وهو الاستدلال بالحادث على المحدث أو بالصنعة على الصانع ( دليل الحدوث ) وإنما سلكوا  مسلكا آخر يسمى دليل  الإمكان أو دليل الوجوب والإمكان فقالوا :إن الموجود إما أن  يكون واجبا أو ممكنا .والواجب ما  كان وجوده من ذاته و الممكن ما كان وجوده  من غيره .إذا فلا بدله من مؤثر يرجح وجوده من  على عدمه ،وهذا المؤثر إما أن يكون واجب  الوجود بذاته أو ممكن الوجود ، فإن كان  واجب  الوجود بذاته ثبت وجود الواجب و هو المطلوب . وإن كان ممكن الوجود احتاج إلى علة ترجح وجوده على عدمه و تسلسل الممكنات إلى غيرنهاية ممتنع  ،إذا لابد من انتهاء إلى علة غير محتاجة إلى علة أخرى  توجدها وهذه العلة عندهم هي واجب الوجود : الله تعالى .

أثبت فلاسفة الإسلام مثل ابن سينا والفرابي واجب الوجود لذاته و هو الله تعالى وجعلوه علة تامة صدرت عنها كل المعلولات كصدور شعاع الشمس عنها ، متأثرين بفكرة الفيض لأفلوطين ، مخالفين لفكرة الخلق التي وردت في القرآن و التي تقوم على قدرة الله و إرادته و حكمته و علمه .

 ومنه نستنتج أن الفلاسفة أوغلوا في التجريد و العقلانية في وصف الألوهية .فالإله الذي أثبته الفلاسفة غير الإله الذي جاء وصفه في القرآن الكريم بأنه الخالق القادر المدبر بمشيئته وعلمه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وسبب هذا الانحراف هو تأثرهم بالفلسفة اليونانية.

خلاصة :لاشك أن القرآن الكريم قد أشار في إثبات وجود  الله تعالى إلى دليل حدوث العالم ولكن الفرق بين طريقة المتكلمين وطريقة القرآن في كيفية إثبات هذا الحدوث .

فالقرآن يسلك بالمخاطبين سبيل الحس والمشاهدة في إدراك حدوث العالم كحدوث السحاب المسخر بين السماء والأرض وكذا إنزال الماء من السماء وكإحياء الأرض بالنبات وغيرها من الآيات التي أخذناها في دليل  الخلق لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ البقرة :164ـ

فقد جعل الله تعالى إدراك هذه ا لأعيان إدراكا مباشرا آياتٍ ودلائل على وجود الخالق والمحدث لها كما أشارت  هذه الآيات إلى حدوث الأعراض أيضا فالرياح وتصريفها وحركتها أعراض و كِلاهما يدرك بالحس.

وعليه فإن أدلة القرآن في إثبات وجود الله تعالى أدلة شرعية  وردت في الآيات وأمر الله بها ونبه إليها ودعا إليها لقوله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ  النحل :12. وهي أيضاً أدلة عقلية يصل إليها العقل وتخاطب العقل .بينما دليل المتكلمين عقلي مع مافيه من صعوبة مصطلحاته وطريقة إثباته .كما أن طريقة الاستدلال في الوحي واضحة بسيطة مقنعة إذ تخاطب عقل الإنسان وتتوجه إلى وجدانه و تنبهه إلى مظاهر العالم الخارجي حوله  وتنجسم مع فطرته .بينما أدلة المتكلمين والفلاسفة أدلة عقلية مجردة لها اصطلاحات خاصة  تعرضت لكثير من الانتقادات وهي صعبة حتى على المختصصين  .   

الدرس رقم :03

الموضوع الثاني- أسماء الله تعالى وصفاته :

1- أهمية موضوع الأسماء والصفات :إن شرف العلم تابع لشرف معلومه ،ولا شك أن أجل معلوم وأعظمه هو الله تعالى ،فلا ريب أن العلم به وبأسمائه و صفاته جل وعلا من أجل العلوم وأفضلها .فلقد خلقنا لتوحيد الأسماء والصفات والربوبية والألوهية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الاِنْسَ اِلاَّ لِيَعْبُدُونِ الذاريات :56

2-ثمرته:هذه المعرفة تزيد الإيمان وترسخ اليقين وتجلب النور والبصيرة.

فعلم الأسماء والصفات إذا رسخ في قلب العبد أوجب خشية الله تعالى،فعلم العبد بأن الله هو الرزاق و المانع و هو الذي ينفرد بالضر و النفع و الإحياء و الإماتة يثمر توكلا على الله تعالى فلا يطلب حاجته إلا من الله و لا يعتمد إلا عليه سبحانه. وإذا علم العبد أنه لا يخفى على الله شيء و أنه بكل شيء عليم يثمر ذلك للعبد حفظ جوارحه و خطرات قلبه عن كل مالا يرضيه عز وجل . وإذا علم أن الله هو الغني الكريم البر المحسن يحصل للعبد رجاء في الله تعالى ... وهكذا فإن معرفة الله تعالى بجلاله و عظمته و جبروته تثمر خضوعا من العبد واستكانة ومحبة لربه.ولذا فإن معرفة العبد لأسماء الله و صفاته على الوجه الذي أخبر به تجعل العبد يقوم مقام العبودية لله تعالى.

تنبيه : ليست أسماء الله وصفاته مسألة غامضة بالنسبة للمسلمين فكل مسلم يوحد الله ويصفه بصفات الكمال

و ينزّهه عن كل نقص، فالمشكلة أساسا عند اليهود و النصارى الذين حرفوا التوراة و الإنجيل و ألحدوا في أسماء الله و صفاته تعالى وغيرهم من الصّابئة و المجوس و أصحاب المذاهب و الأديان .و لم يأمرنا الله تعالى بالتفكر في ذاته و البحث فيها والبحث في  صفاته،بل أمرنا بالتدبر والتفكر في خلقه، فالله عزوجل هو أعلم بذاته وأسمائه 

و صفاته .فنسأل الله تعالى الثبات و السداد و التوفيق.

3-أسماء الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة:

-الأسماء الواردة في القرآن: نوعان ،النوع الأول ورد مفردا والنوع الثاني ورد مضافا.

النوع الأول:ما ورد في القرآن مفردا:مثل: [الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الحكيم] وذلك في قوله تعالى :﴿ هُوَ اللَهُ الَّذي لاَ أِلَهَ اِلاَ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَ الْشَهَادَةِ هُوَ الْرَحْمَنُ ألْرَحِيْمُ هُوَ اللَهُ الَّذِي لاَ اِلَهَ أِلآَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُوسُ الْسَلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَارُ الْمُتَكَبِرُسُبْحَانَ اللَهِ عَمَا يُشْرِكوُنَ هُوَ اللَهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِرُ لَهُ الاَسْمأءُ الْحُسْنَى يُسَبِحُ لَهُ مَا فِي الْسَمَوَاتِ و الاَرْضِ و هُوَ الْعزِيزُ الْحَكِيمُ الحشر: 22-24.

النوع الثاني: ما ورد في القرآن مضافا: [الرب ، الملك] :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يومِ الدِّينِ﴾ الفاتحة:1-3.[النّور] :﴿ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الاِرْضِ﴾ النّور: 35.[الغافر] :﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ في سورة غافر:3 .[المُحيي] ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ فُصِّلت:39.

[العالم] :﴿ إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَ الاَرْضِ﴾ فاطر: 38.[العلاّم] :﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ التّوبة:109.[البديع] :﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ﴾ البقرة: 117. [الفاطر] ﴿ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وا لاَرْضِ﴾ فاطر: 1.[الجامع] :﴿ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النّساء :104.

-بعض الأسماء الواردة في السنّة:

[الحنّان، المنّان]ورد في مسند أحمد عن أنس(ج3/158) :(ثمّ دعا وقال .. اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إلـه إلاّ أنت الحنّان..." .وفي رواية أبي داوود رقم 1495 بإسناد حسن "اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إلـه إلاّ أنت المنّان).

 [السُّبّوح] في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده (سُبُّوحٌ قُدُّوس ربُّ الملائكة والرّوح) .صحيح مسلم بشرح النّووي (ج4/204).

 [الشّافي] في صحيح مسلم والبخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو للمريض بقوله ( اللّهمّ ربَّ النَّاس أَذْهِبِ البأس اشف أنت الشّافي لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاء لا يغادر سقما). صحيح الجامع الصغير (/131).

 [الحيِيُّ، السِّتِّير] ورد في مسند أحمد وسنن ابن داوود والنّسائي عن يعلى بن أميّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنّ الله تعالى حيِيٌّ سِتِّيرٌ يحبّ الحياء و الستر فاذا اغتسل أحدكم فليستتر.) صحيح الجامع الصّغير (ج2/108).

[الوتر] ورد في الحديث: (لله تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنّة وإنّ الله وِتر يحبُّ الوتر). صحيح مسلم (ج4/262).

ملاحظات- الفرق بين الاسم والصفة: 

-أسماء الله :هي كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر:﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾النور : 18 ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة : 106. 

- الصفات: هي نعوت الكمـال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ الطلاق: 12. علمًا صفة .

 -فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد. فالاسمُ يُعتبر عَلَمًا على الله عز وجل مُتضمنًا للصفة. ويلزَمُ مِن إثباتِ الاسم إثباتُ الصفة.ولا يلزمُ مِن إثباتِ الصفةِ إثباتُ الاسم، مثل: الإرادة ؛ لا يلزم أن نثبتَ للهِ اسم المريد .بناءً على ذلك: تكونُ الصفاتُ أوسع، لأنَّ كلَّ اسم متضمنٌ لِصفة، وليست كلُّ صِفة متضمنة لاسم.

وإنما المقصود أن كل اسم من أسمائه يدل على ذاته وعلى ما في الاسم من صفاته .

-أسماء الله مشتقة ليست جامدة :كل اسم يتضمن صفة، فالعليم يتضمن صفة العلم، القدير يتضمن صفة القدرة، الحليم يتضمن صفة الحلم، الرحيم يتضمن صفة الرحمة، الله يتضمن صفة الألوهية، الحي يتضمن صفة الحياة. والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، والكريم يدل على الكرم.

-أسماء الله كلها حسنى لقوله تعالى: ﴿اللًهُ لاَ اِلَهُ هُوَ لَهُ الاَ سْمَآءُ الْحُسْنَى:طه: 8. ﴿هُوَ الْخَالِقُ الْبَارئُ الْمُصَوِرُ لَهُ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَىالحشر: 22.وحسنى يعني بلغت غاية الحسن و نهايته.وهي ليست محصورة بعدد تسع وتسعين وهي توقيفية بنص الشرع وورود السمع بها. 

-أسماء الله الحسنى يتعبد بها :أمر الله بدعاءه بها  لقوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ الأعراف: 180.  وهذه الأسماء كلها تدل على صفات، وتدل على كمال وجلال، وكلها تقتضي محبته ودعاءه والتوكل عليه.

الدرس رقم :04

4-صفات الله تعالى التي وردت في الكتاب والسنة: 

فإن الله سبحانه وتعالى ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ الأنعام:103، ولا يمكن أن يشبه شيئاً ولا أن يشبهه شيء ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾الشورى:11، فلا يمكن أن يعرف بالعيان ولا بالمثال، فلم يبق إلا معرفته بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال عليه بمخلوقاته.

-تقسيم الصفات الإلهية: 

ومن هنا فإن صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه في القرآن ووصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة يمكن تقسيمها إلى:1-الصفات الذاتية.2-الصفات الفعلية.3-صفات التنزيه.

1-الصفات الذاتية:

وتسمى صفات الذات وهي الصفات الثابتة لذات الحق تبارك وتعالى مثل: صفة العلم، والعزة، والعلو، والعظمة، والقدرة و الحياة ونحو ذلك من الصفات. ويدخل في صفات الذات ما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الله يتصف بها كاليد والوجه والعين ونحو ذلك من الصفات.لقوله تعالى : ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء   المائدة : 64  .وقوله أيضاً : ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ ص: 75   ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن ﴾ يس :71 .﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ  الزمر : 67 .

وقوله تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: 115: ﴿وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ الرحمن: 27 ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ  القصص :88

وقوله تعالى :﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ طه:39. ﴿ وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾هود : 37﴿  تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ القمر : 14 .﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ ِأَعْيُنِنَا﴾ طور: 48 . قوله تعالى : ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾  القلم :42 .

ما روى البخاري (6661)، ومسلم (2848) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ).

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ). كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى للقلوب كيف يشاء ،صحيح مسلم ص4804

 يقول الإمام البغوي: "الإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله سبحانه وتعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل.) شرح السنة (1/ 168). مع نفي التشبيه؛ فلا نقول: إصبع كأصابعنا؛ يقول الإمام ابن قتيبة: "ولا نقول: أصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه -عز وجل- لا يشبه شيئًا منا" تأويل مختلف الحديث (ص 303).

 و الاتفاقَ في التسميات لا يوجب اتِّفاق المسمَّين بها، فنحن نثبتُ الوجود لله تعالى، لكن وجودُه ليس كوجود خلقِه، فكذا نثبت له صفةَ الأصابع كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من هذا أنها تشبه أصابع خلقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: "وندين الله -عز وجل- بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه، وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف." الإبانة عن أصول الديانة (ص 26-27).

2-الصفات الفعلية :هي التي تتعلق بمشيئة الله تعالى  وقدرته كالخلق والرزق والاستواء على العرش والمجيئ والنزول إلى السماء الدنيا والغضب والفرح والضحك والكلام . وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾طه:5.قوله تعالى : ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾الأعراف :54.

قوله  تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا  الفجر: 22ـ  وقوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ البقرة : 210 ـ   قوله تعالى : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ الأنعام: 158 وقوله تعالى  : ﴿وَكَلَمِ الله مُوُسَى  تَكْلِيِماَ  النساء: 164 .وقوله : ﴿قُلْ لَوْكَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِي لَنَفِذَ البحْرُ قَبْلَ أنّْ تَنْفَذَ كَلِمَاتُ رَبي وَجِئْنا بِمِثْلهِ  مِدداً﴾ الكهف :109.قوله تعالى : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِمَا يُوُحى إِنَّنى أَنَا الله لاإِلهَ إلا أَنَاْ فَاعْبُدْنيِ وَ أقِمِ الصَّلاة َ لِذِكْرِى  طه 13 ـ14 .وقوله تعالى : ﴿تِلْكَ الرْسُلْ فضلنا بعضهم  على بَعْضَ مِنْهُمْ مَنّْ كَلَمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهَمْ دَرجَاتٍ  البقرة :253. وقوله تعالى : ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لمَيقاتنا َوَكَلَّمَهُ رَبَّه قَالَ رب أرِنى أَنظرْ إليْكَ﴾ الأعراف :143 .وقوله تعالى : ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا  مريم :52  .               

قوله تعالى : ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾الأعراف: 144 .

عن أبي هريرة رضى الله عن  النبي صلى الله عليه وسلم :  يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟  [ صحيح البخاري كتاب التهجد باب دعاء الصلاة من اخر الليل ] . أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758(

وفي هذا الحَديثِ بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تَبارَك وتعالَى يَنزِلُ كلَّ لَيلةٍ حِينَ يَبْقى الثُّلثُ الأخيرُ مِن اللَّيل، وهو نُزولٌ يَليقُ به جلَّ جَلالُه؛ فإنَّه يَجِبُ الإيمانُ بما ورَدَ في ذلك -وأمثالِه- عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن غَيرِ تَكْييفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِن غيرِ تحريفٍ ولا تمثيلٍ.

 3-صفات التنزيه :و تتضمن إثبات الكمال لله تعالى ونفي كل عيب ونقص .

لقوله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  شورى :11 ؛هي نفي يتضمن  إثبات  الكمال لله .

لقوله تعالى :﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ البقرة :255 ؛نفي يتضمن كمال القيومية والحياة .

لقوله تعالى :﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ سبا :3 ؛ نفي يتضمن كمال العلم .

لقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ ق: 38 ؛ نفي يتضمن كمال القدرة .

﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ البقرة: 255  ،نفي يتضمن كمال العظمة و القدرة .

﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  مريم :65 ؛ قال ابن عباس: هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً وهو قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم . وقال عكرمة، عن ابن عباس: ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه. ( تفسير ابن كثير).

قوله تعالى : ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الأنعام :100 أي : تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد ، والنظراء والشركاء . 

قوله تعالى : ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا  مريم 92 -91  أي : لا يصلح له ، ولا يليق به لجلاله وعظمته; لأنه لا كفء له من خلقه ; لأن جميع الخلائق عبيد له.

﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ  يُولدَ الإخلاص :3 . نفي الولد و الوالد والصاحبة.

  قوله تعالى : ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ  الإخلاص :4 .  لم يكن له شَبيهٌ ولا عِدْلٌ.

قوله تعالى :﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾ الأنعام :101 .   

﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ الكهف : 49.  نفي يتضمن كمال العدل.

لقوله تعالى : ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ  الذاريات :57 . أخبر أنه غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورازقهم ابن كثير.فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق، فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، .السعدي .

﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ  إثبات الوحدانيّة لله تعالى و نفي ألوهية سواه و نفي الشريك.

ما يُستفاد من الدرس :

-صفات الذات وصفات الفعل كلها ثابتة في القرآن وتسمى ثبوتيّة.

-صفات التنزيه التي تتضمن الكمال وتنفي عن الله تعالى صفات النّقص والعيب تسمى سلبيّة .

-صفة الكلام هي صفة ذاتية لأنها ملازمة للذّات الإلاهيّة و أيضا صفة فعليّة لأنها تتعلّق بمشيئة الله تعالى.

-من حيث أدلة ثبوتها هي :1- سمعية خبرية نقلية :أي جاء السّمع بإثباتها (الوحي والأحاديث الصحيحة) ؛مثل الاستواء، اليد ،الوجه ،المجيء ،الضّحك ،المحبّة ،الكراهيّة...

2-وسمعية عقلية :يشترك في إثباتها النقل والعقل مثل صفات العلم والسمع والبصر والعلو والقدرة و الحياة و الكلام.

-منهج القرآن في الصفات هو التفصبل في الإثبات والإجمال في النّفي.

-باب الصّفات أوسع من باب الأسماء.

الدرس رقم :5

الصفات عند المتكلمين :صفات واجبة و صفات مستحيلة و صفات جائزة .

الصفات الواجبة عند علماء الكلام و هي:

 1-صفة نفسية :صفة الوجود.

2-صفات المعاني: وهي سبع صفات. : القدرة والإرادة والعلم والحياة والسّمع والبصر والكلام،وهذه الصفات يقول بها جمهور المسلمين وأنكرها المعتزلة فرارا من تعدد القديم وأثبتوا أحكامها فقالوا هو قادر بذاته سميع بذاته عالم بذاته حيّ بذاته.

 وقد أنكر بعض الإسلاميين صفة الإرادة كمعنى مستقل بذاته تعالى، منهم المعتزلة الذين ذهبوا إلى أنّ إرادة الله تعالى لا تعدو أن تكون علمه ذاته بما يقع من الأفعال، وبعض الفلاسفة الذين تأثّروا بأفكار يونانية منها أنّ الله تعالى صدر عنه العالم بطريق الفيض ناشئا عمّا سمّوه عناية متأتية من صفة العلم دون قصد إرادي.   

 وقد ضلّ قوم من الفلاسفة المسلمين المتأثّرين بالفلسفة في تصوّر إحاطة علم الله بجميع المفهومات فقالوا إنّ الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.    

 ولم يقع اختلاف بين المسلمين في ثبوت صفة الكلام لله تعالى فإنّهم مجمعون على أنّه متكلم وأنّ له كلاما وإن اختلفوا في ماهية ذلك التكلم والكلام. وأنصار السّلف من أهل الحديث ينكرون على متكلمي الأشاعرة أقوالهم في الكلام النّفسي واللّفظي.                       

3-الصفات المعنوية: وهي سبع صفات :كونه قادرا وكونه مريدا وكونه عالما وكونه حيا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما . وأدلّة وجوبها له تعالى هي أدلة وجوب المعاني له، إذ المعنوية لازمة للمعاني والمعاني ملزومة لها وإذا ثبت الملزوم ثبت اللاّزم . فكونه تعالى حيّا لازم للحياة وكونه مريدا لازم للإرادة. ورأى بعضهم أنه يكفي إثبات صفات المعاني ولا داعي لذكر الصفات المعنوية معها، لأن مدلولات صفات المعاني متضمنة لمدلولات الصفات المعنويةقول بعضهم ـ وهم المعتزلة ـ نحن نثبت لله جل وعلا كونه عالما، ولا نقول له صفة زائدة على الذات هي صفة العلم، فأثبتوا لله حالا هو كونه عالما دون إثبات الصفة.

4-الصفات السلبيّة: وهي خمس صفات. الوحدانية والقدم والبقاء والقيام بالذات والمخالفة للحوادث. وهي التي  "تنفي النقائص في حقّ الله تعالى وذلك مثل الوحدانية التّي تنفي التعدد، والقدم التّي تنفي الحدوث، والمخالفة للحوادث التّي تنفي المشابه ." ترى الأشاعرة أن الوحدانية من الصفات السلبية الواجبة لله تعالى ومعناها عدم التعدّد في الذات وفي الصّفات وفي الأفعال، فالله تعالى واحد في ذاته، فذاته تعالى ليست مركّبة من أجزاء ولا توجد ذات تشبه ذاته تعالى، وواحد في صفاته، أي كلّ صفة من صفات الله تعالى واحدة فليس له تعالى صفتان أو أكثر من نوع واحد كقدرتين وإرادتين، وليس لغيره تعالى صفات تشبه صفاته تعالى، وواحد في أفعاله فجميع الكائنات مخلوقة بقدرة الله وحدها، فلا شريك له فيها وليس لغيره تعالى فعل من الأفعال.                                               

- والصفات المستحيلة في حقه تعالى  هي أضداد الصفات الواجبة : وهي التي يستحيل عقلا اتصاف الله بها، لأنها منافية لما ثبت لله نقلا وعقلا من صفات واجبة تناسب عظمته وجلاله.وهي : العدم و الحدوث و الفناء و الافتقار ومماثلة الحوادث و نفي الوحدانية والعجز والكَراهَةُ والجَهْلُ و المَماتُ و الصممُ و العَمَى و البَكَمُ. 

-والجائز من الصفات هي كل ممكن وتركه: يقول تعالى في سورة القصص الآية 68: ﴿*وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ*﴾ يؤكد قوله تعالى في هذه الآية الكريمة على أن من صفاته سبحانه أن يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، دون أن يملك أحد إلزامه بشيء أو الإعتراض عليه في فعله ومشيئته.

ويدخل هذا النوع في صفات الأفعال التي هي أثر قدرة الله وإرادته، بحيث يجوز في حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه في العدم، فلا يجب عليه فعله ولا يستحيل عليه تركه، بل يفعل ما أراد ويترك ما أراد، كالخلق والرزق والإماتة والإحياء والثواب والعقاب، وفعل الصلاح والأصلح للخلق، ومثل ذلك مما يناسب أن يعتبر صفة جائزة في حقه تعالى.

الصفات عند الفلاسفة المسلمين : ذهب فلاسفة الإسلام أمثال ابن سينا والفرابي... وغيرهم إلى أن صفات الله تعالى ليس معان قائمة بذات الله زائدة عليها ،بل هي ذاته .وهذا ينتهي إلى إنكارهم وجود الصفات ،حجّتهم أن العقل يحيل إثبات الصفات لأن إثباتها يؤدي إلى التجسيم وهو ينافي الوحدالنية عندهم ،فجعلوا الله تعالى وجودا مطلقا لا حقيقة له في الأعيان بل هو هو موجود في الأذهان.

الدرس رقم 06

مذاهب السلف والخلف في الصّفات:

 1 -مذهب السّلف الصّالح: السّلف الصّالح هم الصّحابة والتابعون وتابعو التابعين (القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على لسان النبي صلى الله عليه وسلّم :(خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

مذهب السلف الصالح هو الإيمان بأسماء الله وصفاته وإثباتها كما جاءت في الوحي ولا يُنقل عنهم -خاصة الصحابة- اختلافهم في الصفات ولا سؤالهم عنها أو البحث فيها. ومذهبهم التنزيه المطلق لله تعالى عن مشابهة مخلوقاته،فلا مجال عندهم للقياس بين الخالق والمخلوق. ولم يخض السلف الصالح في البحث عن كيفية ذات الله تعالى ولا كيفية صفاته.

سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى فقيل: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾طه:5 كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثمّ أمر بالرّجل فأخرج.              

     وقال الخطيب البغدادي في بيان مذهب السّلف في الصفات:"..فإذا كان معلوما أنّ إثبات ربّ العالمين عزّ وجلّ إنّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا لله تعالى يد وسمع وبصر وإنّما هو إثبات صفات الله تعالى لنفسه ولا نقول أنّ معنى اليد القدرة ولا أنّ معنى السّمع والبصر العلم، ولا نقول إنّها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التّي هي جوارح وأدوات فعل ونقول: إنّما وجب إثباتها لأنّ التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها."                                            

فعقيدتة السلف هي عقيدة الإثبات والتنزيه: "نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه على لسان رسوله من ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه وننزهه في ذلك عن مماثلة أو مشابهة شيء من مخلوقاته، ونثبت الاستواء والنّزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف، وبأنّ ظاهرها المتعارف في حقّنا غير مراد." الإمام ابن باديس في كتابه العقائد الإسلامية من الآيات القرانية و الأحاديث النبوية .

والمعطّلون هم الذين ينفون الصّفات والمشبهون الذين يشبهونها بصفات المخلوقات وكلاهما على ضلال، أمّا السنيون: فهم الذين يثبتونها له تعالى وينزهونها  عن التشبيه بالمخلوقات، والتعطيل تعطيل اللفظ عن دلالة معناه الحقيقي أو الخروج به  إلى معنى آخر، والتشبيه تشبيه الله بمخلوقاته، فنحن نثبت لله ما أثبته لنفسه من أقوال أو أفعال أو صفات، ولا نشبه في شيء من ذلك بالمخلوقات، ولا غرابة في إثبات شيء  مع عدم تكييفه ،فالإنسان  يثبت أنّ بين جنبيه نفسا ولكن لا يستطيع تكييفها كذلك نثبت صفات الله بلا كيف.

   وقد لخّص ابن تيمية مذهب السّلف في صفات الله تعالى فقال: " فالأصل في هذا الباب أن يصف الله بما وصف به نفسه وبما وصف به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفيا وإثباتا، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أنّ طريقة سلف الأمّة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصّفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل ." 

ومن قواعدهم : القول في الصفات كالقول في الذات . أي لا نعرف كيفية الذات ولا نعرف كيفية الصفات ؛أي ذات الله لا تماثل ذات المخلوقين كذلك صفاته لا تماثل صفاتهم . و القول في الصفات كالقول في الأسماء .

     2 -مذهب الخلف:

قال الشهرستاني: "واعلم أنّ جماعة من السّلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة و...لا يفرّقون بين صفات الذات وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبريّة مثل اليدين والوجه ولا يؤولون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون هذه صفات وردت في الشرع فنسميها صفات خبريّة." 

وأكثر الخلف يُؤولون الصّفات السّمعية الخبرية ومبدأهم التنزيه ؛أي نفي مشابهة الخالق بالمخلوق ،وفي هذا يتفقون مع مذهب السلف غير أنهم يختلفون معهم في طريقة التنزيه معهم. وهم يقولون :وكلّ نصٍّ أوهم التشبيهَا ... أوِّلهُ أو فَوِّض و رُمْ التنزيها .

 فالأشاعرة والماتريديّة والمعتزلة ومن تابعهم من الشيعة والإباضية فقد ذهبوا إلى القول بأنّ هذه الصّفات يفيد ظاهرها تشبيه الله تعالى بمخلوقاته وفي إمرارها على الظاهر إلحاق النقص به تعالى، ولذلك ينبغي تأويل هذه المعاني الظاهرة على معان أخرى تفيدها بالمجاز، تنزهه تعالى عن النّقص الحاصل بمشابهة المخلوقات، وعلى سبيل المثال فإنّ الاستواء يكون معناه الاستيلاء والغلبة، والنّزول معناه إسباغ الله نعمائه على عباده، والأعين معناها العناية والرّعاية .    

 لا يثبت الأشاعرة الصفات الخبرية كالوجه واليد والقدم، ولا الأفعال الاختيارية كالاستواء والمجيء والنزول، ونحوها ، ويتأولون ذلك أو يفوضونه.ومنهج السلف الصالح : إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل.فلا يحصرون الصفات في سبعة، ولا في ثلاث عشرة، ولا في عشرين، بل الصفات الثابتة لله أعظم من ذلك بكثير.

 أيّد المعتزلة مذهب الجهمية في نفي الصّفات ،واشتهر المعتزلة بنفي رؤية الله تعالى يوم القيامة. أثبت المعتزلة الذات مجرّدة من الصّفات وزعموا أن الله لا تقوم به صفة ولا أمر يتعلق بمشيئته واختياره (صفات خبرية فعلية) ،وهو قولهم "لا تحله الأعراض والحوادث" ،وبذلك نفوا الصفات الفعلية الذاتية لله تعالى .

 ومن الفرق الضالة المجسِّمة وهم الذين يشبهون الله بالإنسان ومنهم الشيعة الباطنية.

 الترجيح : يذهب العلماء إلى أن مذهب السلف الصالح هو الأسلم والأعلم والأحكم في باب الأسماء والصفات، لكن هناك من جوّز الأخذ بالتأويل في الصفات الخبرية عند الضرورة إذاخيف على ضعاف الأنفس التشبيه إن لم يؤول لهم ذلك الكلم ، بحيث يتصورون الإلـه مجسدا فيؤول لهم ذلك تأويلا سائغا في اللّغة المشهورة .                                

وقد ذكر الإمام ابن باديس "ونثبت الاستواء والنّزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف وبأنّ ظاهرها المتعارف في حقّنا غير مراد."

خلاصة:خالف المتكلمون وأصحاب الفِرق والفلاسفة المسلمون منهج القرآن والسنة في باب الأسماء والصفات ،وخالفوا أيضا مذهب السلف الصالح في هذا الباب. وتتمثل أخطاؤهم في :

-خوضهم فيما نهوا عنه ،فقد أمر الله تعالى بالتفكر في خلقه ولم يأمر بالتفكر في ذاته سبحانه وتعالى والبحث فيها وعن كيفية صفاته.

-توهمهم للتشبيه، وذلك بقياس الخالق بالمخلوق والأصل العمل بقوله تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ الشورى:11

-ومن مظاهر انحرافهم التأويل، التعطيل (النفي)، التفويض (نفي بعض الصفات، نفي كل الصفات، نفي الأسماء.). المشبِّه يعبد صنما، والمعطِّل يعبد عدما، والله ليس كذلك، وما خطر على بالك فالله على خلاف ذلك.

-توحيد الأسماء والصفات: "معناه الإيمان بما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تحريف ألفاظها أو معانيها ولا تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز وجل، ولا تكييفها بتحديد كنهها وإثبات كيفية معينة لها ولا تشبيهها بصفات المخلوقين". محمد نعيم ياسين،الإيمان أركانه حقيقته ،نواقضه،ص27.

الدرس رقم 07

ثانيا - النبوات

 : 1- وجه الحاجة إلى النبوة وطبيعتها. 2-ماهية الوحي  . 3-عقيدة ختم النبوة [ محمد صلى الله عليه وسلم ] .

1 - وجه الحاجة إلى النبوة وطبيعتها:

هل البشرية بحاجة إلى النبوة  ؟ هذا السؤال محل خلاف بين صنفين:صنف يؤمن بحاجة الناس إلى النبوة وصنف ثاني لايؤمن بحاجة الناس إلى النبوة .والمقصود بذلك  الأنبياء والرسل الذين هم الواسطة بين الله والعباد . ويوجد إنكار خاص لختم النبوة وهي نبوة  محمد صلى الله عليه وسلم  من قبل أهل  الكتاب اليهود والنصارى .

الصنف الأول -المنكرون لجنس النبوة :  البراهمة وهم قبيلة في الهند و الصبائة و هم عباد النجوم و الكواكب . هذا بالنسبة للقدماء أما في الحياة المعاصرة فهناك من ينكر النبوة ومنهم الملحدون ينكرون وجود الله فينكرون النبوة أو الأنبياء ومنهم العقلانيون  الذين يكتفون بالعقل ولايرون مصدرا آخر للمعرفة و لا يؤمنون بالوحي.

ومنهم الماديون الحسيون الذين لا يؤمنون بعالم الغيب  ، وأما المنكرون للنبوة  الخاصة وهي ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الحياة المعاصرة فهم المستشرقون.

الصنف الثاني -المقرون بجنس النبوة :الذين يقولون بحاجة الناس إلى النبوة والرسالة ،وهم المؤمنون بالكتب السماوية سواء أ كانوا مسلمين أو يهودا أو نصارى .

ما أوجه الحاجة إلى النبوة والرسالة ؟

النبوة والرسالة هي واسطة وسفارة يقوم بها بعض الرجال -اصطفاء من الله- بين الله وعباده ، ويمكن إبراز الحاجة إلى النبوة في النقاط الآ تية :

1- يمكن للإنسان من خلال سلامة الفطرة وصحة العقل والتدبر في الكون أن يعترف بوجود إله ويقر بصفات  عظمته وكماله ،ولكن هنا يتوقف دور العقل والفطرة ولايعرف على وجه الصحة ماهي صفات هذا الإله ولا يعرف ماهي علاقة هذا الإله بالإنسان والكون الذي  خلقه .

2-ولا يعرف هذا الإنسان  أيضا كيف يعبد الله وكيف يوحده ولا ما يجب له سبحانه وتعالى من حقوق  على العباد ولا كيفية الصلاة و لا غيرها.

3- وتظهر الحاجة أيضاً في أن المجتمعات منذ وجدت  تضع القوانين  وتسن الشرائع ، وتحدد القيم  الأخلاقية لتحقيق المنافع للناس و دفع المضار عنهم ،و الفصل في خصوماتهم ،وتحسين مستوى معيشتهم وتثقيفهم .ولكن البشرية في كل العصور لم تصل إلى سعادة دنيوية ولا إلى كمال اجتماعي.

 4-اختلف العلماء والفلاسفة والسياسيون في المشروع الأفضل للإنسانية .إذن البشرية بحاجة إلى منهج  في الحياة يحدد لها مصالحها الدنيوية وكيفية تجنب المضار و المفاسد وهذا ما يسمى الشريعة التي  أتى بها الأنبياء والرسل من عند الله تعالى .  

5-يجتهد الناس في فعل الخير وفي فعل الشر ولكنهم يختلفون في معرفته وتقديره وهنا تظهر الحاجة إلى الشريعة التي تبين للناس الخير والشر والحسن والقبيح [ الأوامر والنواهي ]  .   

6-يطلب الناس الجزاء على أعمالهم ويتساءلون عن مصيرهم كيف يكون للمحسن وكيف يكون للظالم وكيف يقتص منه أي كيف تتحقق العدالة ؟وهنا تظهر الحاجة إلى معرفة اليوم  الآخر ومافيه من جزاء [الثواب والعقاب ]وأحوال اليوم  الآخر وما يتعلق به من  حقيقة الموت والحياة البرزخية وأشراط الساعة والجنة والنار، و هي من عالم  الغيب الذي لا يمكن أن يعرف إلا عن طريق النبي والرسول . 

الخلاصة: دليل المنكرين للنبوة هو اعتمادهم على العقل والرد : هو بيان محدودية العقل وقصوره وخطئه وبيان عجز العقل عن إدراك عالم الغيب . وإذن فالأدلة تثبت الحاجة إلى النبوة  والرسالة .

-الحكمة من بعثة الأنبياء والرسل  :

 لماذا بعث الله الأنبياء والرسل ؟ اقتضت حكمة الله تعالى وعنايته أن يبعث الأنبياء والرسل وينزل عليهم الكتب وذلك لأمور عظيمة ومنها :

 1-أن الله خلق الخلق لعبادته وحده لاشريك له قوله عزوجل :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾الذريات :56 ولا يستطيع الناس أن يعبدوا ربهم إلا عن طريق الرسل  .

2-أن قيام الدين الله في الأرض لا يتم إلا بواسطة الأنبياء  وماجاؤوا به من أحكام وشرائع تصلح وتنظم حياة الناس لقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾النحل  :36﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ آل عمران: 164

3- إقامة الحجة على البشر لايكون إلا عن طريق الأنبياء والرسل لقوله تعالى : ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا  الإسراء : 165وقوله أيضا : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ﴾  طه: 134

4-أن الناس بحاجة إلى قدوة حسنة تصف بالكمال البشري ولايكون هذا إلابالرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله واجتنابهم لقوله تعالى : ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  الأحزاب :21 ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾الممتحنة :6

الاستنتاج :نستنتج أن النبوة والرسالة هي ضرب من الخير والسعادة والكمال ونعمة عظيمة امتن الله بها على عباده .

-طبيعة النبوة : هل النّبوة ممكنة أم مستحيلة؟

 النبوة ممكنة والدليل وقوعها فعلا على مدى تاريخ البشرية  فقد تواترت الأخبار بنبوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب و يوسف وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد ينكر ذلك .

-تعريف النبوة والرسالة

تعريف النبوة : النبوة  في لغة العرب مشتقة من النبأ وهو الخبر، قال تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم ﴾ النبأ: 1-2.
وإنّما سمّي النبي نبيّاً لأنه مُخْبرٌ مُخْبَر، فهو مُخْبَر، أي: أنَّ الله أخبره، وأوحى إليه ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ التحريم: 3، وهو مُخْبرٌ عن الله تعالى أمره ووحيه ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الحجر: 49 ﴿وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الحجر: 51.
وقيل: النبوة مشتقة من النَّبْوَة، وهي ما ارتفع من الأرض، وتطلق العرب لفظ النبي على علم من أعلام الأرض التي يهتدى بها، والمناسبة بين لفظ النبي والمعنى اللغوي، أنَّ النبي ذو رفعة وقدر عظيم في الدنيا والآخرة، فالأنبياء هم أشرف الخلق، وهم الأعلام التي يهتدي بها الناس فتصلح دنياهم وأخراهم.

تعريف النبوة في الاصطلاح: النبوة هي إعلام الله تعالى من اجتبى من عباده لرفعته والإعلاء من شأنه بالوحي الذي أراده له، أو له و لغيره.(أو بكر جابر الجزائري عقيدة المؤمن ،ص269).و معناها وصول خبر من الله بطريق الوحي إلى من اختاره من عباده لتلقي ذلك ، فالكلمة تفسير للعلاقة التي بين النبي و الخالق جل جلاله  و هي علاقة الوحي و الإنباء .(كبرى اليقينيات الكونية ص 183).

تعريف الرسالة

الرسالة لغة :من الإرسال والإرسال في اللغة التوجيه، فإذا بعثت شخصاً في مهمة فهو رسولك، قال تعالى حاكياً قول ملكة سبأ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ النمل: 35 . وقد يريدون بالرسول ذلك الشخص الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذاً من قول العرب: (جاءت الإبلُ رَسَلاً) أي: متتابعة.

وعلى ذلك فالرُّسل إنّما سمّوا بذلك لأنَّهم وُجّهوا من قبل الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾ [المؤمنون: 44]، وهم مبعوثون برسالة معينة مُكلَّفون بحملها وتبليغها ومتابعتها. قال تعالى﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل: 36]، وقال تعالى﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44]؛ أي: بعثناهم يتبع بعضهم بعضًا.

تعريف الرسالة في الاصطلاح:هي تكليف الله أحد عباده بإبلاغ الآخرين بشرع أو حكم معين . فالكلمة هي تفسير للعلاقة التي بين النبي و سائر الناس وهي علاقة البعث والإرسال .(كبرى اليقينيات الكونية،ص 183 ).

-تعريف النبي والرسول : ذكر من بني آدم ، أوحى الله تعالى إليه بأمر ، فإن أمر بتبليغه إلى الناس فهو نبي و رسول ،و أن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي غير رسول ... وعليه فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا  .(أو بكر جابر الجزائري عقيدة المؤمن ص269). هذا قول جمهور أهل العلم وعامة أهل السنَّة ؛ لأن الرسولَ والنبي قد اشتركا في أمر عام هو النبأ، وافترقا في أمر خاص وهي الرسالة.

ويدلّ على الفرق بينهما ما ورد في كتاب الله من عطف النبي على الرسول﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ ﴾ [الحج: 52]، ووصف بعض رسله بالنبوة والرسالة مما يدُل على أن الرسالة أمر زائد على النبوة، كقوله في حقِّ موسى عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً ﴾ [مريم: 51].

 -شروط النبوة والرسالة :هناك صفاتٌ واجبةٌ أن تكون في الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام  وهي :
الذكورة : الأنبياء والرسل من البشر لقوله تعالى : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾  الكهف :110. وقد اعترض الأقوام على أنبيائهم ورسلهم بأنهم بشر لاستكثارهم أن يكون النبي بشرا كاملا يتصل الله ويتلقى عنه الوحي و يقتدى به ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا ﴾ هود :27 ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ﴾ المؤمنون : 34ولو كان النبي ملكا لتعذر الاقتداء به لاختلاف الجنسين  ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ الأنعام : 9 .وكلّ الأنبياء المذكورين في القرآن والسنّة من الرجال، ولم يُعرف وجود نبيّةٍ من النساء.﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل :43  .

الصدق : وهو قول الحقيقة فيما يبلّغونه عن الله تعالى، وفي جميع أقوالهم العادية؛ ومردّ ذلك إلى أنهم أفضل الخلق وأحسنهم، وأنهم لو كانوا متصفين بالكذب لما صدّقهم الناس؛ فمقصود النبوّة هو الإخبار عن الله، فإن كان المُخبر مطعوناً في صدقه، غير موثوقٍ في كلامه، لصعد الطعن تراتبيّاً إلى ما يخبر به، وإلى الرسالة التي أتى بها، والقيم التي يدعو إليها .

العصمة والصفات الحميدة: وهي أن يكونوا معصومين من الزلل في التبليغ عن الله تعالى من جهة، ومحفوظين من مقارفة الكبائر والمهلكات من جهةٍ ثانية، وذلك بحفظ ظواهرهم وبواطنهم من الأهواء، فهم الأسوة الحسنة للمؤمنين، الملتزمين بالدين وأخلاقه، فعن قتادة – رضي الله عنه – قال : " سألتُ عائشة عن خلق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقالت : كان خُلقه القرآن " رواه مسلم .

قال القاضي عياض : " وكان – صلى الله عليه وسلم – مجبولاً على هذه الصفات في أصل خلقته، وأوّل فطرته. لم تحصل له باكتسابٍ ولا رياضةٍ، إلا بجودٍ إلهيٍّ وخصوصيّةٍ ربّانيةٍ، وكذا لسائر الأنبياء." كتاب الشفا للقاضي عياض، المجلد الأول، ص: 72. 

التّبليغ و الأمانة : وهو توصيل جميع ما أمرهم الله تعالى بتبليغه إليهم، ويستحيل في حقّهم كتمانُ شيءٌ عن الخلق، حتى لو كان في الوحي ما هو مخالفٌ لعاداتِ القوم، أو ما يجرّ عليه انتقاد الفطر المطموسة، والعقول المنحرفة .

الفطنة : وهي ذكاء العقل وسرعة الإدراك وقوّة البديهة والحجة، فالرّسل أرسلوا ليحاججوا الناس ولإرشادهم إلى الطريق المستقيم، وذلك لا يقع إلا من خلال حواراتٍ ومناظراتٍ لإبطال الباطل وبيان عواره للناس، وإقامة الحجّة على الكفار .

الدرس رقم :08

2- ماهية الوحي: تتمثل أهمية دراسة ظاهرة الوحي في اعتبارها أساس النبوة ؛ فعلاقة الوحي بالنبوة هي علاقة إثبات.

تعريف الوحي في اللغة : الوحي هو الإعلام السريع الخفي . وفي القاموس المحيط: الوحي: الإشارة والكتابة والمكتوب والرسالة، والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته لغيرك . وهو بهذا المعنى لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه.والوحي بمعناه اللغوي يتناول :
1 -الإلهام الفطري للإنسان :كالوحي إلى أم موسى . قال تعالى : ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ القصص : 7 .
2 -الإلهام الغريزي للحيوان : كالوحي إلى النحل . قال تعالى : ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾النحل : 68 .
3 - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء : كإيحاء زكريا لقومه . قال تعالى ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ مريم : 11 .
4  -وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه . قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾الأنعام : 121 .
5  -ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه . قال تعالى : ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾الأنفال : 12 .
-تعريف الوحي في الشرع : فيطلق ويراد به المعنى المصدري، ويطلق ويراد به المعنى الحاصل بالمصدر، ويطلق ويراد به: الموحى به. ويعرف من الجهة الأولى: بأنه هو" إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة، فهو أخص من المعنى اللغوي لخصوص مصدره ومورده؛ فقد خص المصدر بالله سبحانه، وخصّ المورد بالأنبياء " . ويعرف من الجهة الثانية: بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله، سواء أكان الوحي بواسطة أم بغير واسطة.ويعرف من الجهة الثالثة: بأنه ما أنزله الله على أنبيائه، وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم، ومنهم من أعطاه كتابا، ومنهم من لم يعطه.

أقسام الوحي الشرعي وكيفياته: لتلقي الوحي من الله تعالى طرق بينها الله تعالى في سورة الشورى : ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾الشورى : 51 . فأخبر الله تعالى أن تكليمه ووحيه للبشر يقع على ثلاث مراتب : إذ المراد بالوحي في الآية: الإلهام و رؤيا المنام، لمقابلته للقسمين الآخرين: التكليم من وراء حجاب أو بواسطة رسول. 
المرتبة الأولى - الإلهام أو القذف في القلب:هو الوحي المجرد ودليله قوله تعالى : ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾ الشورى : 51 . ومثال ذلك ما جاء في حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وابن ماجه في سننه وغيرهم .عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :.« إنَّ روحَ القدُسِ نفثَ في رَوعي أنَّهُ لَن تموتَ نفسٌ حتَّى تستَكمِلَ رزقَها فاتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ  » .

وألحق بعض أهل العلم بهذا القسم رؤى الأنبياء في المنام كرؤيا إبراهيم عليه السلام على ما أخبر الله عنه في قوله : ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ الصافات : 102 . 
وكرؤى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة على ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" متفق عليه. ورؤية نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه في منامه أنهم سيدخلون البلد الحرام وقد كان.

المرتبة الثانية - التكليم من وراء حجاب بلا واسطة كما ثبت ذلك لبعض الرسل والأنبياء ،كتكليم الله تعالى لموسى على ما أخبر الله به في أكثر من موضع من كتابه . قال تعالى : ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ النساء : 164 . وقال : ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾الأعراف : 143 . وكتكليم الله لآدم . قال تعالى : ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾البقَرة : 37 . وكتكليم الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على ما هو ثابت في السنة . ودليل هذه المرتبة من الآية قوله تعالى : ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾الشورى : 51 .
المرتبة الثالثة : الوحي بواسطة الملك . و يعرف بـالوحي الجلي. ودليله قوله تعالى : ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾  الشورى : 51 . وهذا كنزول جبريل عليه السلام بالوحي من الله على الأنبياء والرسل .
والقرآن كله نزل بهذه الطريقة تكلم الله به ، وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل ، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ و ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ الشعراء : 192- 194 . وقال تعالى : ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ النحل : 102

ولجبريل عليه السلام في تبليغه الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحوال :
أ- أن يأتي جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين :رآه مرة بالأفق من ناحية المشرق وفي ذلك يقول الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ التكوير : 23 . ورآه مرة ثانية ليلة الإسراء في السماء وهذا ما أخبر الله عنه بقوله : ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ النجم : 13- 15 .وقد ورد عن السيدة عائشة: أن النبي لم ير جبريل على هذه الحالة إلّا مرتين: مرة في الأرض، وهو نازل من غار حراء ومرة أخرى في السماء، عند سدرة المنتهى ليلة المعراج، رواه أحمد. 
ب- أن يأتي جبريل في صورة رجل كدحية الكلبي، أو أعرابي ، ويراه الحاضرون ويسمعون قوله، ولا يعرفون هويته، ولكن النبي يعلم علم اليقين: أنه جبريل، وذلك كما في حديث جبريل الطويل في الصحيحين وحديث أم سلمة، ورؤيتها رجلا على صورة دحية الكلبيّ، فظنته هو، حتى بيّن النبي لها أنه جبريل.
ج- أن يأتي على صورته الملكية، وفي هذه الحالة لا يرى، ولكن يصحب مجيئه صوت كصلصلة الجرس، أو دوي كدوي النحل. وقد دلّ على هاتين الحالتين( ب و ج) حديث سؤال الحارث بن هشام النبي صلى الله عليه وسلم: عن كيفية مجيء الوحي إليه فقال : (( يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال . وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول .)) ومعنى فصم : أي أقلع وانكشف. وهو في صحيح البخاري :كتاب بدء الوحي باب بدء الوحي ص3.

والوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقيني ضروري من الموحى إليه بأن ما ألقي إليه حق من عند الله ليس من خطرات النفس ولا نزعات الشيطان، وهذا العلم اليقيني لا يحتاج إلى مقدمات، وإنما هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية، كالجوع والعطش والحب والبغض.
الاستنتاج:يتضح من هذه الأنواع أن الوحي طرأ على النبي دون أن يتوقعه أو يتطلع إليه. فالنبوة منحة إلهية، قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا﴾  مريم: 58 ، وحكى الله قول يعقوب لابنه يوسف: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ﴾  يوسف: 6 ، وقال الله لموسى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ الأعراف: 144.

الدرس رقم 09
ختم النبوة : إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

-موقف المشركين  المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقين من الوحي

شبهات المشركين:

-منهم من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم افترى القرآن من عند نفسه كذبا على الله تعالى : ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ الشورى:24. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾  الفرقان :04.

-ومنهم من زعم أن القرآن أساطير الأولين: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾  الفرقان: 5. ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ الأنفال: 31﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾النمل : 68

ومنهم من اتهمه بالسحرو الشعر والشعوذة والجنون والكهانة : ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾  الحجر: 06 ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾  الدخان :14. ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ﴾المؤمنون : 25 ﴿فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ الذاريات :39 ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ الشعراء :27. ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ  الأنعام :07.

-ومنهم من يقول إنما يعلمه بشر: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ   النحل 103. ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ الفرقان :05. أكاذيبهم: جمع أسطورة بالضم «اكتتبها» انتسخها «فهي تملى» تقرأ «عليه» ليحفظها. تفسير الجلالين.

شبهات المستشرقين :المستشرقون هم الباحثون المنشغلون بالدراسات الشرقية والإسلامية العربية خاصة .

شبهاتهم تعود في حقيقتها إلى شبهات المشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن صاغوها في ألفاظ جديدة وزادوا عليها شبهات أخرى تعبر عن مذاهبهم وانتماءاتهم، يمكن أن نذكر آراءهم حول الوحي كما يلي :1-الوحي حالة نفسية .2-الوحي حالة مرضية.3-القرآن أساطير الأولين.4-أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودية والنصراية.

الرد على شبهات المشركين :

- التحدي بالقرآن والإعجاز به : ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  البقرة :23. ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ الإسراء :88﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ يونس:38. ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ هود :13.

-النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب : ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  العنكبوت :48. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾الأعراف :158﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ   يونس : 15-16.

 - نفي الأخذ عن اليهود والنصارى : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ   النحل :103. 

-نفي الافتراء والكذب: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ ﴾ هود:  35 ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ السجدة: 3 . ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الأحقاف :8

- نفي السحر والشعر والجنون والكهانة : ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ  الطور: 29/31. ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ﴾  الحاقة :41-42. ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ التكوير : 22وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون فيتكلم عن جنة، ويهذي هذيان المجانين بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ .تفسير الطبري . ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ المؤمنون : 70

الرد بالسنة أو من السيرة النبوية :الأسئلة التي طرحها هرقل ملك الروم على أبي سفيان ؛ عن نسبه صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه، وعما يدعو إليه، وعن أشياء أخرى [القصة].قال هرقل :" وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا. فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله".وعُرف في مجتمعه أنه الصادق الأمين.

-اتفاق صناديد قريش في اجتماعهم ومناقشتهم على الأوصاف التي يتهمونه بها صلى الله عليه وسلم فأنكر الوليد بن المغيرة أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم كذابا.

-حديث عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق. 

الرد على شبهات المستشرقين:

- شبهة الوحي النفسي: زعم المنكرون أن الوحي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم من داخل نفسه فهو أمر ذاتي من خياله وعقله المتوقد ذكاء؛ ومعنى ذلك أن هناك أفكار مُدَّخرة في عقل النبي الباطني وأنها تظهر في صورة رؤى ثم تقوى فيخيل إليه أنها حقائق خارجية.

الرد : -فهل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عقيدة وشريعة وما تضمنه من قصص وتوجيهات أخلاقية كان  مٌدَّخرا مركوزا في نفسه؟ فالعقل يرفض هذا بداهة.

-اشتمل الوحي على أسرار الكون والأنفس التي لا تخطر على بال بشر وما عرف العلماء تأويلها إلا بعد تقدم العلوم ، فكيف تكون هذه الأسرار والمعارف العلمية من نفسه صلى الله عليه وسلم؟

-أكد الله تعالى أن الوحي من عنده هو سبحانه وتعالى وهذا يدل على أن الوحي أمر خارج عن نفس النبي صلى الله عيه وسلم.قال تعالى : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ  عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ  الشعراء : 192/195.

-لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يطمع في الحصول على النبوة ولا كان يفكر فيها أو ينتظرها، إذن فلا كسب للنبي في نبوته فهي نعمة من الله تعالى عليه واصطفاء واجتباء: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الشورى : 52 ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ﴾ الرعد: 38.

شبهة الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية:اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مريض بالصرع وأن ما يعتريه أثناء نزول الوحي هو نوبات صرع.

-يثبت الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أصح الناس بدنا وأكملهم عقلا وأقواهم جسما وأشدهم فطنة وأصدقهم قولا وأحكمهم فعلا، وأوصافه التي تدل على ذلك تناولها الرواة الثقاة، وقد بلغ عن قوته صلى الله عليه وسلم أنه صارع رُكانة بن عبد يزيد وكان هذا الرجل مصارعا ماهرا لم يقدر أحد أن يغلبه، فلما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام قال له :"صارعني فإن أنت غلبتني آمنت أنك رسول الله". فتصارعا فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-هناك فرق بين نوبات الصرع وبين أعراض الوحي وصوره وأشكاله، فالمريض بالصرع يصاب بآلام حادة في كافة أعضاء جسمه إذا أفاق من نوبته، ولكن الأمربخلاف ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وعرفنا ذلك من خلال أشكال الوحي التي تطرقنا إليها في الدرس، وخلال الوحي و بعده يكون النبي في حالة وعي تام ، فيكون هو الذي يخبر أصحابه بما أوحي إليه.

-وقد رد القرآن هذه الشبهة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ الذاريات 53/54. وقد تحدى النبي صلى الله عليه وسلم المشركين الذين عاصروه وخبروا حاله أن يثبتوا عليه جنونا أو اختلال عقل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ سبأ: 46، وكلمة صاحبكم تؤكد أن حاله صلى الله عليه وسلم معروف عندهم بقوة العقل ورزانته وسداد قوله وفعله.

- شبهة الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية:زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتبس الوحي من تعاليم دينية أُخذت من اليهودية والنصرانية عن طريق  ورقة بن نوفل وبحيرا الراهب النسطوري.

-اللقاء تم بعد نزول الوحي (الآيات الأولى من سورة العلق)؛ فورقة بن نوفل بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه.لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ورقة بن نوفل بعد ذلك وتلقى منه أو تعلم منه؛ ثم إن ورقة مات مباشرة بعد هذه الحادثة. 

-أما لقاؤه ببحيرا الراهب فقد كان في صغره مرة واحدة حين سافر مع عمه إلى الشام و لا يمكن أن يكون تلقى القرآن عنه .

الزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى من أهل الكتاب زعم باطل؛ فالقرآن الكريم يصف اليهود والنصارى بما هم عليه من فساد في الدين ما ينفي تماما أن يكونوا هم مصدر الوحي . قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ التوبة: 30.

الدرس رقم 10

3- عقيدة ختم النبوة : فإن الله تعالى اختار محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة الأخيرة، والنبوة المنتهية به، فلن يأتي بعده أحد يأتيه جبريل عليه السلام برسالة، أو ينزل عليه كتاب، أو يوحى إليه لشيء يقظة أو مناما، ومن ادعى شيئا من ذلك فقد افترى عليه الكذب، ولن يطالب على دعواه بدليل، بل يعامل معاملة الدجَّالين الأفَّاكين.

 مفهوم الختم في الشرع :ويعني انتهاء ﺇنباء الله الناس، وانقطاع وحي السماء.

ورد ذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء و المرسلين و أنه لا نبي بعده في قوله تعالى: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الأحزاب: 40. 

ومن دلائل ختم النبوة :

عموم الرسالة المحمدية للنبي صلي الله عليه وسلم:قال الله تعالي:  ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ الأعراف: 158، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.  سبأ 28، وقوله تعالى : "﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾الأنبياء:107

إخبار القرآن الكريم بكمال الدين:قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ المائدة 3. وكمل الدين بنبوته التي لا نبوة بعدها.

تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم قال الله تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ . الحجر: 9، ولم يحفظه إلا ليكون حجة على خلقه.فكتابه ناسخ للكتب كلها، و سنته قاضية على السنن كلها، أي إن رسالته مهيمنة على الرسالات، وإن نبوته حجة على النبوات، لا بالعكس، فلن يهتدي الناس بعد بعثته إلا إذا آمنوا به، قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ آل عمران 85. وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  الأعراف: 157. وفي الحديث الصحيح(( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)).

أمر الله تعالى بالإيمان بالقرآن الكريم والكتب المنزّلة قبله قال الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ البقرة 4، ولم يأت في القرآن قط ذكر الإيمان بما ينزل بعده.

أحاديث ختم النبوة في السنة المطهرة

-أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال(( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)).

- وفي الصحيحين: قال النبي صلى الله عليه وسلم(( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)).

-وفي صحيح مسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس ليس بعده نبي)). وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).

- وفي الصحيحين عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا ن